ما يقتدر به (١) على استنباط
______________________________________________________
(١) هذا من الأمور المأخوذة في التعريف ، حيث جعل كلّا من قسمي الاجتهاد بمعنى الملكة التي يقتدر بها على الاستنباط ، فالمقسم لكل من الإطلاق والتجزي هو القوة المزبورة ، لا الاستخراج الفعلي للأحكام.
فان قلت : هذا ربما ينافي تفسير الاجتهاد في الفصل السابق بأنّه «تحصيل الحجة على الحكم الشرعي» لظهور التعريف في أنّ الاجتهاد الموضوع للأحكام ليس هو تحصيل القوة النظرية ، بل الموضوع لها هو التلبس الفعلي بالاستنباط واستخراج الأحكام ، فليس مجرد القدرة على الاستنباط اجتهادا. ومن المعلوم أنّ المناسب للتعريف هو أن يراد بالاجتهاد المطلق استنباط جميع الأحكام الشرعية أو جملة وافية منها ، بحيث يصدق عليها الاستغراق العرفي ، وأن يراد بالتجزّي في الاجتهاد استنباط جملة من الأحكام.
والحاصل : أنّ تفسير الاجتهاد بتحصيل الحجة ـ الظاهر في موضوعية العلم الفعلي بالأحكام الشرعية ـ ينافي جعل المقسم للاجتهاد المطلق والتجزي ملكة الاستنباط ، فإنّ صاحب الملكة قد لا يتصدّى للاستنباط أصلا وإنما يعمل بالاحتياط ، فهل الموضوع للأحكام هو الاجتهاد بمعنى الملكة أو الاجتهاد بمعنى استخراج الأحكام؟
قلت : لا منافاة بين ما تقدم في الفصل السابق من تعريف الاجتهاد بتحصيل الحجة وبين ما صنعه هنا من جعل المقسم القدرة على الاستنباط ، وذلك لأنّ للاجتهاد معنيين يصحّ إطلاقه على كل منهما حقيقة :
أحدهما : معناه الاسم المصدري ، وهو ملكة الاستنباط ، بشهادة صحة إطلاق «المجتهد» على صاحب الملكة قطعا ولو لم يستنبط بعد حكما واحدا ، فيصح أن يقال : «فلان مجتهد أو بلغ رتبة الاجتهاد» مع عدم استنباطه بعد شيئا من الأحكام.
ثانيهما : معناه المصدري ، وهو عمليّة استخراج الأحكام من أدلّتها.
وعليه فما صنعه المصنف «قده» ـ من تفسير الاجتهاد في الفصل السابق بتحصيل الحجة ، وفي هذا الفصل بالملكة التي هي المقسم بين الاجتهاد المطلق والمتجزّي ـ وقع في محلّه ، إذ الغرض من تفسيره بالمعنى المصدري في الفصل السابق هو الاجتهاد الّذي