.................................................................................................
______________________________________________________
.................................................................................................
__________________
الجهة الثانية : في جواز رجوع الغير إلى صاحب الملكة قبل التصدّي للاستنباط ، وعدمه. وملخص الكلام فيها : أنّ الحق عدم الجواز ، إذ لا موضوع لجواز الرجوع مع فرض عدم الاستنباط ، لكون موضوعه «العالم والفقيه وأهل الذّكر» ونحوها ، ولا يصدق شيء منها على من لم يستنبط بعد ، فإنّ الفتوى جهة تقييدية في الحكم بجواز التقليد ، فبدونها لا موضوع لجواز التقليد أصلا ، لظهور «الفقهاء» في رواية الاحتجاج و «عرف أحكامنا» في المقبولة وغيرهما من العناوين في الفعلية كسائر العناوين المأخوذة في حيّز الخطابات ، فأدلّة رجوع الجاهل إلى العالم كلّها أجنبية عن رجوع الجاهل إلى واجد الملكة المجردة عن الاستنباط الفعلي ، ومع الشك في عالميّته لا يجوز الرجوع إليه ، لكون الشبهة مصداقية ، وقد تحقق في محله عدم جواز التمسّك بالدليل فيها.
وأمّا إذا اجتهد في بعض الأحكام دون الجملة المعتد بها التي يصدق معها العارف بالأحكام ، فهل يجوز تقليده في ذلك البعض أم لا؟ بعد وضوح حجية رأيه في عمل نفسه.
قد يقال : إنّ السيرة العقلائية تقضي بجواز الرجوع إليه من باب رجوع الجاهل إلى العالم ، حيث إنّ استنباط بقية الأحكام وعدمه لا دخل له بحجية ما استنبطه.
وردّت بأنّ الأدلّة اللّفظيّة رادعة عن السيرة ، إذ لا يصدق عليه عنوان «الفقيه والعالم بالأحكام» إلا بعد استنباط جملة معتدّ بها من الأحكام.
ونوقش في هذا الرد بأنّ الأدلة اللفظية لا مفهوم لها ، وأنها غير رادعة عن السيرة (١).
وأنت خبير بأنّ السيرة لم تثبت في ظرف وجود من استنباط كثيرا من الأحكام. ولو بني على ثبوتها فلا بد من رادعية الأدلة اللفظية لها ، لأنّ تلك الأدلّة في مقام التحديد الموجب المفهوم. فدعوى عدم المفهوم لها حيث تكون رادعة للسيرة غير مسموعة. وأمّا كونها في مقام التحديد فلأنّها تبيّن موضوع جواز الرجوع ، وأنّ موضوعه هو الفقيه والعالم بالأحكام ونحوهما ممّا لا يصدق على من استنبط شيئا قليلا من الأحكام. ولا أقلّ من الشك في اعتبار السيرة مع هذه الأدلة اللفظية ، ومن المعلوم قضاء الأصل بعدم الحجية.
فالمتحصل : أنّه لا سبيل لإثبات جواز الرجوع إلى من استنبط قليلا من الأحكام. ولهذا الكلام تتمة سيأتي في التعليقة المرتبطة بأحكام المتجزّي.
__________________
(١) التنقيح في شرح العروة الوثقى ، ١ ـ ٣٢