.................................................................................................
______________________________________________________
المانعون ، هذا أوّلها ، وحاصله : أن ملكة الاجتهاد ـ كسائر الملكات الحاصلة للنفس ـ كيف نفساني بسيط غير قابل للتجزية والتقسيم من التنصيف والتثليث وغيرهما ، وإنّما القابل للتقسيم هو الكمّ ، وحينئذ فيدور أمر الملكة دائما بين الوجود والعدم ، ولا يعقل أن تتحقق مبعّضة ، فلا يقال : «ان لفلان نصف ملكة الشجاعة» أو «نصف ملكة الاجتهاد». وعليه فالمتصدّي للاستنباط إمّا مجتهد مطلق وإمّا غير مجتهد أصلا ، والالتزام بإمكان وجود الملكة المتجزّية مساوق للمحال وهو قابلية البسائط للتجزية والتقسيم ، فينحصر الاقتدار على الاستنباط في فرد واحد وهو الاجتهاد المطلق ، هذا.
وقد ردّ المصنف هذا الوجه بما حاصله : أنّ التجزي في الاجتهاد ليس بمعنى قابلية ملكة الاستنباط للتنصيف أو التثليث ، فإنّه غير معقول ، لما تقدم من كونها أمرا بسيطا من الكيفيات النفسانيّة. بل المراد أنّ متعلق القدرة في المتجزي أضيق دائرة من متعلقها في المجتهد المطلق ، نظير ما إذا كان هناك جوهران أسودان يكون أحدهما قليلا يصبغ مائة ثوب ، والآخر كثيرا يصبغ ألف ثوب ، فإنّ كلّا منهما جوهر تام ، غاية الأمر أنّ المصبوغ بأحدهما أكثر أفرادا من المصبوغ بالآخر.
وعلى هذا فالمقصود بالتجزي هو أنّ ملكة الاجتهاد تكون بمعنى القدرة على الاستنباط ، ومتعلّق هذه القدرة يختلف قلّة وكثرة ، والقدرة تتعدد بتعدد متعلقاتها بعد ما عرفت من اختلاف مدارك الأحكام ، وابتناء استنباط بعض الأحكام على مبادئ عقلية ، وبعضها على مبادئ نقلية ، وهكذا. والقدرة أمر بسيط ، لكن القدرة على فعل لا تستلزم القدرة على فعل آخر ، كما هو الحال في التمكن من الأفعال الخارجية ، فإنّ القدرة على الأكل غير القدرة على المشي ، وهما غير القدرة على التكلم.
والحاصل : أنّ بساطة الملكة لا تمنع عن حصولها بالنسبة إلى استنباط بعض أبواب الفقه ، لقابليّتها للشدة والضعف ، فانّ كانت شديدة سمّيت بالاجتهاد المطلق ، وإن كانت ضعيفة سمّيت بالتجزي. وعليه فلا مانع من إمكان التجزي من ناحية بساطة مقولة الكيف. هذا ما يتعلق بالوجه الأوّل ، وسيأتي بيان الوجه الثاني.