إلّا (١) الرجوع إلى ما بني عليه (٢) في المسائل الأصولية ، وبدونه (٣) لا يكاد يتمكّن من استنباط واجتهاد ، مجتهدا (٤) كان أو أخباريّا.
نعم (٥) يختلف الاحتياج إليها بحسب اختلاف المسائل والأزمنة
______________________________________________________
(١) متعلق بـ «لا محيص» يعني : لا مناص للمجتهد إلّا مراجعة مبانيه في مسائل علم الأصول.
(٢) الضمير راجع إلى الموصول المراد به القواعد الممهدة للاستنباط ، المبحوث عنها في علم الأصول.
(٣) أي : وبدون الرجوع إلى القواعد الأصولية لا يكاد يتمكن من الاستنباط.
(٤) أي : سواء كان المتصدّي للاستنباط أصوليا أم أخباريا. فكما يتوقّف استنباط الأصولي من الكتاب والسنة على إثبات ظهور هيئة «افعل» في الوجوب وإثبات حجية الظاهر للعموم لا لخصوص المخاطبين ، فكذلك يتوقّف استنباط الأخباري على ذلك. وهكذا سائر المباحث الأصولية.
(٥) استدراك على قوله : «ما من مسألة إلّا ويحتاج ...» وحاصله : أنّ الحاجة إلى علم الأصول في استنباط الأحكام وإن كانت مسلّمة ، لما عرفت ، إلّا أنّ هذا الاحتياج ذو مراتب ، تختلف بحسب اختلاف الأشخاص والمسائل والأزمنة ، فإذا كان مدرك المسألة واضحا جدّاً بأن كان رواية صحيحة سندا وواضحة دلالة كانت القاعدة الأصولية المحتاج إليها في هذه المسألة هي حجية الخبر والظهور. وإن كان مدرك المسألة مما فيه إعضال وإشكال كانت القواعد الأصولية المحتاج إليها أزيد ، كما في مسألة ضمان عارية الذهب والفضة ، فان الأخبار فيها على طوائف يتوقّف استنباط الحكم فيها على ملاحظة الظاهر منها والأظهر والعام والخاصّ ، ومسألة انقلاب النسبة وعدمه ، وهكذا.
وقد تكون الحاجة إلى علم الأصول شدة أو ضعفا بلحاظ الأزمنة ، ففي الصدر الأوّل حيث كان الرّواة في عصر الحضور كان استنباط الأحكام فيه أسهل وأخف مئونة من عصرنا ، خصوصا لأجلّائهم ، وهذا بخلاف العصور المتأخرة ، للزوم الفحص عن المخصص والمقيد والمعارض مما يتوقف عليه الاجتهاد فعلا ، ولم يكن الاجتهاد في