التعارض
______________________________________________________
المصنف «قده» صورا ثلاثا :
الأولى : أن يكون مدلولا الأمارتين متضادين ، كما إذا قامت إحداهما على وجوب الإزالة عن المسجد والأخرى على وجوب الصلاة مثلا. وحكم هذه الصورة حكم باب التزاحم من التخيير إن لم يكن أحدهما أهم ولو احتمالا. والوجه في إجراء حكم التزاحم هنا هو : أن المقتضي للوجوب في كل واحد منهما ـ وهو قيام الأمارة على طبقة ـ موجود ، والمانع مفقود ، إذ المانع هو عجز المكلف عن امتثال كلا الخطابين ، وهو نظير وجوب إنقاذ الغريقين المؤمنين ، فإنّ العجز عن إنقاذهما معا لا يوجب سقوط أصل الخطاب ، بل تقيّد وجوب إنقاذ كل منهما بترك الآخر ، ونتيجته التخيير (*).
الثانية : أن تكون الأمارتان في موضوع واحد ، وكان مؤداهما حكمين إلزاميين ، كدلالة إحداهما على وجوب البقاء على تقليد الميت والأخرى على حرمته ، أو دلالة إحداهما على وجوب التسبيحات الأربع والأخرى على وجوب واحدة منها ، فإنّ جعل الضدين في موضوع واحد يؤول إلى جعل المتناقضين باعتبار الدلالة الالتزامية. والحكم في هذه الصورة كسابقتها هو التخيير إن لم يكن أحدهما أهم من الآخر ولو احتمالا ، فإنّه يقدّم على ما ليس فيه هذا الاحتمال كما هو حكم المتزاحمين في جميع الموارد.
__________________
(*) اعترض السيد الفقيه صاحب الوسيلة على حكم المصنف «قدهما» بالتخيير في هذه الصورة بأجنبية المقام عن التخيير في المتزاحمين ، فإن حكومة العقل بالتخيير بينهما إنما هي من جهة العجز عن امتثالهما بعد تمامية الملاك في كليهما ، وهذا بخلاف المقام ، فإن التخيير بينهما يكون شرعيا ، لحجية الأمارة شرعا على السببية المقتضية لحدوث مصلحة ملزمة في المؤدى ، وصيرورة كل منهما أحد فردي الواجب التخييري ، فيتخير في العمل به شرعا لا عقلا.
أقول : لم يظهر مرامه رفع مقامه ، فإن الصلاة والإزالة من أوضح صغريات باب التزاحم ، والتخيير بينهما على فرض تساويهما ملاكا عقلي لا شرعي ، لكون المجعول نفس المؤدى وهو وجوب الإزالة والصلاة تعيينا ، إذ مقتضى سببيّة كل أمارة لحدوث مصلحة في مؤداها هو جعل حكم تعييني لمؤداها ، ولم يظهر منشأ لجعل حكم تخييري بين الأمارتين ، وإنّما التخيير نشأ من حكم العقل به ، لعجز المكلف عن موافقة كلتا الأمارتين ، فالتخيير هنا هو التخيير العقلي الثابت في سائر موارد التزاحم.