.................................................................................................
______________________________________________________
وتحقيق الحال في المقام على ما يستفاد من هذا الاستاذ في «شرح المفاتيح (١)» أن يقال : إنّ النيّة بالنسبة إلى الصلاة وسائر العبادات ليست إلّا كغيرها من سائر أفعال المكلّفين من قيامهم وقعودهم وأكلهم وشربهم ونحو ذلك ولا ريب أنّ كلّ عاقل غير غافل ولا ذاهل لا يصدر عنه فعل من هذه الأفعال إلّا مع قصد ونيّة سابقة عليه ناشئة من تصوّر ما يترتّب عليه من الأغراض الباعثة والأسباب الداعية ، بل هو أمر طبيعيّ وخلق جبليّ ، ومع هذا لا ترى المكلّف في حال إرادة فعل من هذه الأفعال يحصل له عسر في النيّة ولا إشكال ولا وسوسة ولا فكر ولا ملاحظة مقارنة ، مع أنّ فعله قطعاً واقع بنيّة وقصد مقارن ، فإذا شرع في شيء من العبادات اضطرب في أمرها وحار ، وبل قد وجدنا أناساً كثيرين لا يقدرون على التلفّظ حينئذ بتكبيرة الإحرام وربما حصلت لهم حالة كحالة الجنون ، مع أنّهم في سائر أفعالهم في غاية الوزانة والرزانة والسكون والحزم ولا فرق بين العبادة وغيرها إلّا بقصد القربة. واستوضح ذلك من نفسك إذا كنت جالساً ودخل عليك رجل جليل عند الله تعالى حقيق بالقيام له والإكرام والتواضع ، ففي حال دخوله تقوم له إجلالاً وإعظاماً ولا تقول أقوم تواضعاً لفلان قربة إلى الله تعالى ، فهل يكون هذا القيام والتواضع خالياً عن الثواب والمدح لخلوّه عن هذه النيّة أم يكون موجباً لهما؟ كلّا لو تكلّفت تخيّل ذلك ببالك أو ذكرته بلسانك كنت مضحكة في المجامع واعجوبة لكل سامع. وهكذا شأن النيّة في العبادات ، فإنّ المكلّف إذا دخل عليه وقت الظهر مثلاً وهو عالم بوجوب ذلك الفرض سابقاً وعالم بكيفيّته وكمّيته وأنّ الغرض الحامل له على الإتيان به الامتثال لأمر الله تعالى ، ثمّ قام من مكانه وتوجّه إلى المسجد ووقف في مصلاه مستقبلا وأذّن وأقام ، ثمّ كبّر واستمرّ في صلاته ، فإنّ صلاته صحيحة شرعيّة مشتملة على النيّة والقربة.
وبهذا يعلم أنّ النيّة المعتبرة مطلقاً ليست منحصرة في المخطرة في البال ، بل
__________________
(١) مصابيح الظلام : (مخطوط مكتبة آية الله الگلپايگاني) كتاب الطهارة كيفيّة الوضوء ج ١ ص ١٧ س ١٦.