.................................................................................................
______________________________________________________
للمجموع شرط للأجزاء ، فلا بدّ من الاستدامة الحكميّة للأجزاء ومعناها أن لا يقصد خلاف ما قصد أوّلاً. ولا يخفى ما في ذلك من العناية والخروج عن مقتضى الأدلّة لما مرَّ ويأتي. ثمّ بعد اعتبار المقارنة لأوّل جزء وقع الخلاف بينهم في الوضوء والغسل في بيان مقام المقارنة. فالمشهور بينهم جواز تقديم النيّة في الوضوء عند غسل اليدين المستحبّ كما تقدّم بيان ذلك كلّه.
وأنت بعد ما عرفت أنّ اشتراط المقارنة واعتبار الاستدامة الحكمية والنزاع في جواز التقديم عند غسل اليدين مبنيّ على جعل النيّة المشترطة هي المخطرة بالبال يظهر لك أنّ النيّة عندهم أيضاً ليست إلّا الداعي وأنّ هذه الامور مبنيّة على كون النيّة هي العلة الغائيّة والقصد الباعث لكنّهم اعتقدوا انحصار ذلك في المخطرة بالبال وأظنّ أنّ الباعث لهم على ذلك ما عهد من حصر القوى الباطنة في الخمسة المشهورة وهي الحسّ المشترك والخيال الّذي هو خزانة الحسّ المشترك والوهم والقوّة الحافظة الّتي هي خزانة الوهم والمتخّيلة وهي الّتي تركّب بعض الصّور مع بعض وتركّب بعض المعاني مع بعض وتركّب بعض الصور مع بعض المعاني ، فلمّا حصروا القوّة المدركة الباطنة المؤثّرة في حدوث الأشياء والعلّة الغائيّة الموجدة لها في المخطر بالبال ، إذ لو لم تكن عندهم حاضرة في البال لا يصدر منها شيء لعدم حضورها في الذهن والمعدوم لا يؤثّر قطعاً. وكذا إذا كانت موجودة في الذهن إلّا أنّها في الحافظة لا في البال ، لأنّ الساهي والناسي لتلك الصورة والغافل عن تلك العلّة الغائيّة كيف يصدر عنه معلولها المتوقّف عليها ، فلا بدّ أن تكون ملحوظة حتّى تؤثّر. هذا ، وليس الأمر كما ذكروا ، لأنّه كثيراً ما لا تكون العلّة الغائية والداعي إلى صدور شيء منّا حاضراً ببالنا ، بل يكون في أوائل الحافظة أو الخيال. ومع ذلك نوجد أثراً بيّناً ظاهراً سديداً محكماً مثل الصادر عن المخطر بالبال من دون تفاوت أصلاً بل قلّما يصدر عن المخطر ذلك لما عرفت من قوله تعالى (١) : (ما جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ) وإنّا لنشاهد بالوجدان بل
__________________
(١) سورة الأحزاب : آية ٤.