من الأحوال لرأيناه الآن ، فلأنا على الحال التي يصح نرى جميع ما يصح رؤيته لكوننا أحياء سليمي الحواس وهو تعالى موجود ، والموانع بيننا وبينه مرتفعة ، وكل رائي ومرئي يكونان بهذه الصفة لا بد أن يرى الرائي المرئي.
وأما أنا لا نراه الآن فذلك معلوم لنا ضرورة ، وليس فيه خلاف يظهر فثبت أنه لا يجوز رؤيته في حال من الأحوال.
وأما ما ذكره من الاحتجاج بقوله تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ ، إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) [القيامة : ٢٢ ، ٢٣] ، فإن معنى ذلك عند آل محمد صلوات الله عليه وعليهم أن إلى واحد آلاء يقول آلاء وإلى كما يقول أمعاء ومعي ، فمعنى إلى ربها ناظرة نعمة ربها ناظرة ، فهي تنظر إلى نعم ربها عزوجل تلذذا وتفكها مع ما يصلها من النعيم المقيم ، والخير الجسيم ، وقد قيل : إن ذلك من المجاز ، وأن قوله (إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) يريد إلى ثواب ربها ، فحذف الثواب كما قال تعالى : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها) [يوسف : ٨٢] ، يريد أهل القرية وأهل العير ، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه ، وذلك جائز في اللسان العربي فلا وجه لإنكاره لأن الوجوه لو نظرت الباري تعالى لكان في جهة أو حالا فيما هو في جهة ، ولو كان كذلك لكان جسما أو لونا ، والأجسام والألوان محدثة وهو تعالى قديم ، فلا يجوز ذلك عليه تعالى في دنيا ولا آخرة وقد قال تعالى : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) [الأنعام : ١٠٣] ، فتمدح بنفي إدراك الأبصار وهو رؤيتها تمدحا راجعا إلى ذاته ، فلا يجوز إثبات ما تمدح الله تعالى بنفيه عن نفسه.
أما أنه تعالى تمدح بذلك فهو ظاهر ، وأما أن التمدح راجع إلى ذاته فكذلك ،