سوى الله سبحانه ، ولهذا تميز دين الحنيفية على دين النصارى في قولهم : (إن الله ثالث ثلاثة) وما أرادوا غير إثبات ذات وصفتين في الأزل ، فصاروا مثله بذلك ، فإن شاركهم غيرهم وزاد عليهم فثمّن أو عشّر ، فقد رمى بنفسه في المهالك ، فتحرز أرشدك الله عن ذلك.
وأما قوله : إن القرآن صفة ، فلا يعقل في معنى القرآن إلا هذا الموجود بين أظهرنا حجة لنا وعلينا أمرا ، ونهيا ، ومجملا ، ومبينا ، وخاصا ، وعاما ، ومحكما ، ومتشابها ، ووعدا ، ووعيدا ، وعبرا ، وأمثالا ، وفرائض ، وأحكاما ، إلى غير ذلك من أنواعه زاده الله شرفا وحده على مرور الأيام ، ولا يعقل فيما هذا حاله أن يكون صفة وأن تكون قديمة ، فكيف تكون الأمور المتغايرة قديمة ؛ لأن الوعد غير الوعيد ، والمحكم غير المتشابه ، وكذلك في سائر الأنواع ؛ فإن أثبت قرآنا غير هذا فلسنا ننازع إلا في هذا ، ونقلنا الكلام معه إليه ، وبينا أن إثبات صفة قديمة للباري لا تجوز إذ لا قديم سواه ولا رب غيره ، ولو كان العلم والقدرة كما قال السائل لكانت أمثالا لله سبحانه ولا مثل له تعالى ؛ لأنه لو كان له مثل وقدر بينهما المنازعة التي تجوز وقوعها بين الاثنين كأن يريد أحدهما تحريك جسم والآخر يريد تسكينه أو تبييضه والآخر يريد تسويده ، لكانت لا تخلو من أمور ثلاثة : إما أن يوجد مرادهما وذلك محال ، وإما أن لا يوجد مرادهما معا وذلك محال ، وإما أن يوجد مراد أحدهما دون الآخر وذلك أيضا محال لاستوائهما في كل حال فاعلم ذلك.
فأما قوله : إن الله تعالى فرق بين الخلق والأمر فقال : (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ) [الأعراف: ٥٤] ، فلا شك في ذلك لأن الأمر أعم من الخلق وهي لفظة مشتركة يراد بها الغرض والبيان كما يقال : لأمر ما جدع قصير أنفه أي :