تركت قتالهم ، يا أبا فلان ، إن امرأ لا يمسي حزينا ويصبح حزينا مما يشاهد من أفعالهم لمغبون مفتون. قال : قلت : يا ابن رسول الله كيف بنا ونحن مقهورون مضطهدون لا نستطيع لأفعالهم إنكارا ، ولا عليهم تغييرا؟ قال : فقال عليهالسلام : اقطعوا أرضهم وقد علمت ما رد الله سبحانه على القوم الذين قالوا : (فيم كنتم؟ قالوا : كنا مستضعفين في الأرض) أفقبل تعالى عذرهم أم لم يقبل عزوجل (أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها) [النساء: ٩٧].
فأما ما ذكره أرشده الله من أن الشريعة شرفها الله قضت بأن من نطق بالشهادتين وتشكك في الإمام فإنه حرام الدم والمال فهذا موضع الخلاف بين الأئمة والأمة ، فكيف يسوغ لمن ينتحل العلم دعوى الإجماع.
فأما ما عينه من محمد بن مسلمة ، وسعد بن أبي وقاص ، وعبد الله بن عمر ، وأمثالهم من المتخلفين عن علي عليهالسلام وأنه لم يعرض لهم إلا بخير ؛ فذلك فعل محتمل لا يدل على إثبات حكم ، وذلك يجوز لأنه خشي الفتنة لو أوجب عليهم حالا لكبر مكانهم ، وإذا كان معاوية على تأخره عن الرتبة العالية التي نزلها الصحابة رضي الله عنهم نازعه الأمر وشاقه وكثرت أتباعه على حربه فكيف أولئك وهم المحل الذي لا يجهل!! فرأى أن تركهم ما تركوه وأن يرضى منهم لاعتزالهم له ولمعاوية على أنه قد بلغ الاحتجاج عليه فما في هذا من حجة ، وإن كان المتأخر عن الإمام تشككا لا يخلوا إما أن يدعي أن وجوب الاتباع للأئمة واجب أو غير واجب ، فإن قال : غير واجب خرق الإجماع ، وإن قال : واجب ، قيل : فهل جعل الله سبحانه له إلى معرفة إمامته طريقا أم لا؟ فإن قال لم يجعل له طريقا. قيل : هذا تكليف ما لا يعلم وهو قبيح ،