الإيمان على سواء فالاستثناء مما يمكن وقوعه ، ومعلوم أن ذلك لا يمتنع ولا يستحيل ، بل قد وقع وقد أخرج الاستثناء بعض ما يصح لأن القتل على نوعين ، فحظر على المؤمن أحدهما ، وعقبه بالوعيد ، وجرى الثاني مجرى المباح لخروجه عن باب التكليف لأن الله تعالى [لا] يجوز أن يكلف عبده ما لا يعلم لأن ذلك قبيح ، والله لا يفعل ، ووكده تعالى بالتوبة في آخر الآية قابل به توبة العبد ، فحد اللفظ باللفظ ، وأصل التوبة الرجوع ، ثم صار بالعرف رجوعا مخصوصا ، ثم نقله الشرع الشريف على مقتضى الأصول غى الندم على ما ارتكب من المعاصي ، والعزم أن لا يعود إليها لأجل قبحها ، وهي من منّ الله على من تاب ، وفي القرآن الكريم : (إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ) [الحجرات : ١٢] ، وقوله تعالى : (ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا) [التوبة : ١١٨] ، رجع إليهم ليرجعوا ، وقوله : توبة والله أعلم : رجعة.
مسألة في تفسير الأكنة على القلوب ، والوقر في الآذان ، وكيف يصح أن يجعل الله مع ذلك عقوبة في حال التكليف إن كان المراد به ذلك؟
الكلام في ذلك : أن الله تعالى شبّه حالهم بحال من لا يعقل ولا يسمع ، فصارت القلوب كأنها في أكنة ، والآذان كأنها موقورة ، والجعل هاهنا بمعنى الحكم ، وعلى وجه آخر أنهم ـ أعني المشركين ـ كانوا قد تعاهدوا في بعض أوقاتهم على أنهم إن سمعوا رسول اللهصلىاللهعليهوآلهوسلم يقرأ أنزلوا به مضرة وشرا ، فكان سماعهم للقرآن والحال هذه مفسدة في علم الله سبحانه وتعالى ، فجعل الوقر في آذانهم ، والأكنة على قلوبهم في تلك الحال دون غيرها ، وحكى تعالى ما كان.
وأما قوله : كيف تكون العقوبة مع بقاء التكليف؟ فالعقوبة تستحق من يأتي الفعل ، وإنما لا تستمر العقوبة لأنها تزيل حكم التكليف لوقوع الإلجاء