وإلا فلم يكن الحكم يوجبه ؛ لأن مباينة الفرض للنفل أبعد من مباينة الفرض للفرض ، وقد تقرّر أن صاحب فرض لا يؤم صاحب فرض آخر ، فكيف بصاحب النفل يأتم بصاحب الفرض!! فلما خصّه الدليل أقرّ مكانه ، والأصل في الشرعيات أن أكثر أدلتها أمارات تؤدي إلى غالب الظن ، فإذا اتفق جمهور العترة عليهمالسلام على قول كانت غلبة الظنّ بصحته أقوى فلا يعدل عنه ، فإن أجمعوا كانت حجة لا يجوز خلافها.
فأما صلاة التراويح فلا شك أن أهل البيت عليهمالسلام لا يرون بها وما هي (عندهم) (١) إلا بمنزلة النوافل ، فإن أشار فيها علي عليهالسلام برأي فهي مصلحة للمسلمين كما كان يشير في الأمور التي أخطئوا في أصولها ، فأشار عليهم بما يكون أحمد عاقبة في فروعها ، وإلا فهو عليهالسلام لم يكن تعبدها ولا الصالح من أهل بيته ، والمأثور عنه وعنهم صلاة الخمسين ولم يذكر فيها الإمامة ، ولما فعلوا باجتهادهم بصّرهم طريقة تصلحه لا أنه عليهالسلام يعتمده.
فأما من أوجب على نفسه شيئا من النوافل فهو لا يطلق عليه الفرض ولا الواجب ؛ لأن ذلك يختصّ بما يكون من قبل الله سبحانه أو في حكمه ؛ لأن ما يوجبه الإنسان على نفسه وإذا ائتم به غيره كان مخالفا له في نيته ، وإن أوجب مثل ذلك على نفسه فلم يرد الشرع بمثله ، وليس لنا أن نستحدث أنواع العبادات ولا صورها ؛ لأنها غيوب ومصالح ، فلا يؤمن مواقعة المفسدة والقبائح ، كمن يلزم نفسه عبادة يخترعها عشرين ركعة متصلة يسلم في آخرها مثلا عشر تسليمات ، فهي وإن كانت جنس العبادة فلم يأت بها أثر ، فكذلك صلاة النوافل ، الإمامة فيها لا تجوز إلا حيث ورد به الأثر.
__________________
(١) زيادة في (ب).