الجواب عن ذلك وبالله التوفيق : أنا نقول بإثبات دار ثالثة بين دار الكفر ودار الإسلام ، ونسميها دار الفاسقين ، وقد قال بذلك أعني التسمية من أهل العلم أبو علي الجبائي (١) ومن اتبعه من أهل العلم ، ولو لم يقل به لم يستوحش مع البراهين إلى أحد ، لأنا نسأل السائل : لم قيل في دار الكفر دار الكفر؟ ولم قيل في دار الإسلام : دار الإسلام؟ فإن قيل : ذلك من أسماء الأعلام كذّبه جميع أهل المعرفة من الأنام ، لأن لنا أن نغير الاسم العلم واللغة بحالها فنسمي زيدا بعمرو ، وعمرا بزيد ، ولا يختل المعنى ، ولا يصح ذلك فيما نحن بصدده ؛ لأنا لو سمينا دار الكفر دار الإسلام لم يجز ، وإن قال الغلبة الكفر في ذلك كما أنا نعلم أن مكة حرسها الله حرم الله ، ومهبط وحيه ، كانت في حال غلبة الكفر عليها دار حرب وكفر ، فلما غلب الإسلام عليها ، فصارت بحبوحة دار الإسلام حمى الله ، فلما أصبت في قولك ، ونحن ما سمينا دار فسق إلا لغلبة الفسق فيها ولا دار الفاسقين ، فأما أموال هذه الدار ونساؤها وذراريها فلها حكم بين الحكمين ، كما أن لها اسم بين الاسمين ، وهو أن الأموال موقوفة على رأي الإمام إن شاء أباحها ، وإن شاء حضرها ، فإن أباحها حلت ، وإن حضرها حرمت ، كما فعل علي عليهالسلام في أموال أهل الجمل والنهر بالبصرة ، والنهروان ، وكما فعل بمال المحتكر في الكوفة ، فإنه قسم ماله نصفين ، فحرق نصفه وأمر بنصفه إلى بيت المال ، وقال : لو ترك لي علي مالي لربحت مثل عطاء أهل الكوفة.
__________________
(١) هو : أبو علي محمد بن عبد الوهاب بن سلّام بن زيد بن أبي السكت الجبائي [٢٣٥ ـ ٣٠٣ ه] من أعلام المعتزلة. انتهت إليه رئاستهم ، وهو متكلم ، مفسر ، له من الكتب (تفسير القرآن) وإليه تنسب الطائفة الجبائية ، مولده بجبّى بخوزستان ، ووفاته بالبصرة ودفن بجبّى ، انظر معجم رجال الاعتبار وسلوة العارفين (تحت الطبع) ، رجال الأزهار ٣٥ ، لسان الميزان ٥ / ٣٠٧.