وأما ما ذكر من أنّا إن قلنا لا تحل ، أصبنا طريقة علي عليهالسلام في أصحاب الجمل والنهر وصفين ، فهذا من النظر الدقيق أنّا إذا قلنا بقول علي أصبنا طريقة علي ، وهل يلتبس هذا على الجاهل فضلا عن العالم ، وكان الأولى أن يقول : إصابتنا قول علي عليهالسلام في الفقهيات واجب ، فإن قال بذلك خالف الأمة والأئمة ، وإن قال قوله أولى من فعل غيره طابق الزيدية ؛ لأن عليا عليهالسلام خولف في الفقهيات ، ولم يعلم منه تضليل من خالفهم ، ولا ولده الحسن عليهالسلام لم ير توريث الغرقى والهدمى بعضهم من بعض.
وروي عن علي عليهالسلام جواز بيع أمهات الأولاد إلى غير ذلك مما خالف فيه أولاده سلام الله عليه وعليهم ، وخالفه الصحابة رضي الله عنهم في غير مسألة ، وأكثر ما فيه أن يخالف اجتهادنا اجتهاده في مسألة أو أكثر ، وقد جمع محمد بن منصور (١) رحمهالله تعالى خلاف أهل البيت عليهمالسلام وجعله كتابا ، وكما نعلمه بين الهادي والقاسم عليهمالسلام ، وهذا من رحمة الله سبحانه لعباده أن جعل ميدان الشرع رحيبا ، وكل مجتهد فيه مصيبا إذا بلغ درجة الاجتهاد ووفّى الاجتهاد حقه.
__________________
(١) هو : محمد بن منصور بن يزيد المرادي ، أبو جعفر ، الكوفي ، المقري ، أحد الأعلام المعمرين إمام ، حافظ ، محدث ، مسند ، من مشاهير رجال الزيدية في العراق ، وأخص علماء الزيدية بالقاسم بن إبراهيم وأكثرهم رواية عنه ، مولده بالكوفة في الأقرب ترجيحا بين الروايات ما بين [١٤٠ ـ ١٥٠ ه] ، وبها نشأ وسمع الحديث في مدرستها الكبرى ، وجل مشايخه منها ، وتتلمذ على أيدي أئمة آل البيت ، كما تخرج عليه جماعة منهم ، وصحب الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي عليهالسلام ٢٥ سنة وحج مع الإمام أحمد بن عيسى (ع) نيفا وعشرين حجة ، وكانت له مع الأئمة مواقف مشرفة فقد اجتمعوا بمنزله سنة ٢٢٠ ه وبايعوا الإمام القاسم بن إبراهيم ، وعرف بمواقفه الصلبة الشجاعة في نصرة المجاهدين من أهل البيت مما سبب في تأليب السلطة عليه فعاش مستترا بعيدا عن الأضواء ، عاكفا على نشر العلم ، وسماع الحديث ، والتأليف ، مخلفا تراثا فكريا زاخرا ، وتعمر طويلا قرابة قرن ونصف من الزمان في الأقرب ترجيحا بين الروايات ، ولعل وفاته ما بين سنتي [٢٩٠ ـ ٣٠٠ ه].
انظر عن مؤلفاته ومصادر ترجمته كتاب (أعلام المؤلفين الزيدية وفهرست مؤلفاتهم).