وأما ما ذكره من قوله قالوا : إنما نأخذ ما نأخذ من مال الفاسقين لتأخرهم عن الخروج إلى إمام المسلمين ومعاونة الظالمين ، فقد أصابوا في قولهم ؛ لأن تأخرهم عن الإمام معصية ، ومعاونتهم للظالمين معصية.
وقد بينا أنهم إنما يؤخذون عقوبة على المعصية ، ولا أعظم معصية من هذين الوجهين لأن في الأول قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «من سمع داعيتنا أهل البيت فلم يجبها كبه الله على منخره في نار جهنم» (١) ولا وعيد أعظم من هذا ، وفي الأخرى لا أعظم من كون المؤمن ظهيرا للمجرمين ، وإن كنا لا نشك في أن الضعفاء هم الذين لبسوهم الحرير ، وركبوهم الذكور ، وسقوهم الخمور ، فأي عون أعظم من هذا ، وقد احتج إخوانهم فيما تقدم فرد الحكيم سبحانه حجتهم خاسئة داحضة بقوله تعالى : (فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ) فردّ ذلك تعالى بقوله : (أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها) [النساء : ٩٨] وصدق الله العظيم وبلغ رسوله النبي الأمين الكريم ، لقد بلغ فأوسع ، ونادى فأسمع ، فالحجة له لا عليه.
وقد روينا أن بعض أشياعنا الصالحين رضي الله عنهم سأل محمد بن عبد الله النفس الزكية عليهالسلام قبل خروجه بمدين : يا ابن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم متى يكون هذا الأمر ـ يعني خروجه ـ؟ قال : وما سرك به. قال : ولما لا أستر بأمر يعز الله به المؤمنين ، ويخزي به الفاسقين. قال : يا أبا فلان ، أنا والله خارج وأنا والله مقتول ، ولكن والله ما يسرني ما طلعت عليه الشمس وأترك قتالهم يا أبا فلان ، امرؤ لا يمسي حزينا ، ويصبح حزينا مما يعاين من فعالهم لمغبون مفتون قال : قلت : يا ابن رسول الله ، فكيف بنا ونحن بين أظهرهم لا نستطيع لهم ردا ،
__________________
(١) حديث من سمع داعيتنا ، سبق تخريجه.