الجواب عن ذلك وبالله التوفيق : أن الزيدية بل المحصلون من فرق الأمة تعلم أن العلم الموجود فينا لا يخلو من أحد أمرين : إما أن ينتفي عن اليقين بالشك والشبهة إذا انفرد فهو الاستدلالي ، وإذا لم ينتف بذلك فهو الضروري ، فإن نازع السائل بالمعنى ، فالمعنى موجود لكل عاقل ممن يعلم هذا التفصيل وممن لا يعلمه ؛ لأن علم الإنسان بأحوال نفسه لا ينتفي مع سلامة العقل بالتشكيك ، وإيراد الشبهة ، حتى لو أخبرنا الغير عن نفسه مما يشككنا في شيء من حاله لبادرنا به إلى المارستان (١) محاذرة من استحكام العلة وغلبة الوسواس ، ولو سألناه عن ذلك فقال : أمهلوني حتى أنظر وأستدل حتى تحصل المعرفة لكان الأمر كما تقدم ، بخلاف الاستدلالي فإنه يقف على الاستدلال بالدليل على الوجه الصحيح ، والنظر في المدلول بالفكر الثاقب الصريح ، وهذان اسمان للعلم ، وهو المعنى الموجود في أحدنا مقتضيا لسكون نفسه وثلج صدره إلى صحة ما اعتقده فما وقف على اختيارنا وحصل بحسب نظرنا واستدلالنا فهو الاستدلالي ، وما حصل فينا لا من جهتنا فهو الضروري ، فإن نازع في اللفظ إذ يبعد من العاقل النزاع في المعنى ففيه جوابان : أحدهما جملي ، وهو أن هذين الاسمين اصطلاحيان من أهل العلم بعلم الكلام ، ولا وجه للنزاع في الأسماء الاصطلاحية لا من قبل الشرع ولا من قبل اللغة ولا من قبل العرف ، فسقط الاعتراض.
وأما التفصيلي فإن الضرورة أصلها الضيق اضطره إلى كذا وكذا ألجأه إليه ، ومنه اضطرار الحافر أي ضيقة ، كما قال شاعرهم يصف حافر فرسه :
لا ردح فيها ولا اضطرار |
|
ولم يقلب أرضها البيطار |
__________________
(١) المارستان : دار المرضى بالفارسية ، المنجد.