ولأنّ البُلدان المتباعدة تختلف في الرؤية باختلاف المطالع والأرض كرة ، فجاز أن يرى الهلال في بلد ولا يظهر في آخر ؛ لأنّ حَدَبَة (١) الأرض مانعة من رؤيته ، وقد رصد ذلك أهل المعرفة ، وشُوهد بالعيان خفاء بعض الكواكب القريبة لمَن جدّ في السير نحو المشرق وبالعكس .
وقال بعض الشافعية : حكم البلاد كلّها واحد ، متى رؤي الهلال في بلد وحكم بأنّه أول الشهر ، كان ذلك الحكم ماضياً في جميع أقطار الأرض ، سواء تباعدت البلاد أو تقاربت ، اختلفت مطالعها أو لا ـ وبه قال أحمد بن حنبل والليث بن سعد (٢) ، وبعض علمائنا ـ لأنّه يوم من شهر رمضان في بعض البلاد للرؤية ، وفي الباقي بالشهادة ، فيجب صومه ؛ لقوله تعالى : ( فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ) (٣) .
وقوله عليه السلام : ( فرض الله صوم شهر رمضان ) (٤) وقد ثبت أنّ هذا اليوم منه .
ولأنّ الدَّين يحلّ به ، ويقع به النذر المعلّق عليه .
ولقول الصادق عليه السلام : « فإن شهد أهل بلد آخر فاقضه » (٥) .
وقال عليه السلام ، في مَن صام تسعة وعشرين ، قال : « إن كانت له بيّنة عادلة على أهل مصر أنّهم صاموا ثلاثين على رؤية ، قضى يوماً » (٦) .
ولأنّ الأرض مسطّحة ، فإذا رؤي في بعض البلاد عرفنا أنّ المانع في
__________________
سنن البيهقي ٤ : ٢٥١ .
(١) الحَدَبَة : ما أشرف من الأرض وغلظ وارتفع . لسان العرب ١ : ٣٠١ .
(٢) فتح العزيز ٦ : ٢٧٢ ، المجموع ٦ : ٢٧٣ و ٢٧٤ ، حلية العلماء ٣ : ١٨١ ، المغني ٣ : ١٠ ، الشرح الكبير ٣ : ٧ .
(٣) البقرة : ١٨٥ .
(٤) صحيح البخاري ٣ : ٣١ ، سنن النسائي ٤ : ١٢١ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٠١ نقلاً بالمعنى .
(٥) التهذيب ٤ : ١٥٧ ـ ١٥٨ / ٤٣٩ ، الاستبصار ٢ : ٦٤ / ٢٠٦ .
(٦) التهذيب ٤ : ١٥٨ / ٤٤٣ .