من حيث إضافتهما إلى الله عزوجل فلا وجه للمبالغة بالنسبة إليه تعالى. لأن صفاته بالنسبة إليه تعالى غير محدودة فلا تجري المبالغة فيها. نعم تصح المبالغة بالنسبة إلى مورد الرحمة على نحو قوله تعالى : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) [سورة الأنعام ، الآية : ١٦٠] وقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ) [سورة البقرة ، الآية : ٢٦١] إلى غير ذلك مما ترجع المبالغة فيه إلى المبالغة في الرحمة بالنسبة إلى المخلوق.
وأما ما في بعض التفاسير من أن فعلان لا يدل على الثبوت بخلاف فعيل وإنما ذكر تعالى (الرحيم) لأجل اظهار ثبوت الرحمة بالنسبة اليه تعالى. (مخدوش) لأن التفرقة بين اللفظين انما تصح في الممكنات دون الواجب تبارك وتعالى كما عرفت.
الثاني : الرحمن يختص بالدنيا والرحيم بالآخرة لتقدم الدنيا على الآخرة في سلسلة العوالم والنشآت الزمانية فيكون المقدم للمتقدم والأخير للمتأخر ، أو لذكر الرحيم مقرونا بالغفران والتوبة في جملة من الآيات الكريمة ، والغفران وأثر التوبة في الآخرة فيكون الرحيم مختصا بها.
والوجهان مخدوشان لا يصلحان حتّى للاستحسان ، فان العوالم بالنسبة إليه تبارك وتعالى في عرض واحد وإنّه محيط بالزمان والزمانيات وخارج عنهما إلّا أن يلحظ ذلك بالنسبة إلى المخلوق. وقد ورد الرحمن بالنسبة إلى الآخرة في قوله تعالى : (الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ) [سورة الفرقان ، الآية : ٢٦] ، وقوله تعالى : (يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً) [سورة مريم ، الآية : ٨٥] ، كما ورد الرحيم بالنسبة إلى الدنيا في قوله تعالى : (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً) [سورة النساء ، الآية : ٢٩] وقد ورد عن الأئمة الهداة : «يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما».
الثالث : أن الأول عام للجميع لقوله تعالى : (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) [سورة الأعراف ، الآية : ١٥٦] والثاني خاص بالمؤمنين لقوله تعالى : (بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) [سورة التوبة ، الآية : ١٢٨] وهو أيضا