مردود فإن ذكر بعض الأفراد وأشرفها لا يدل على نفي ما عداه إلّا بالمفهوم وقد ثبت في محله أنه لا مفهوم للقيد فراجع.
الرابع : أنّ الرحمن ذات الرحمة الشاملة لكل محتاج إليها وبجميع مراتبها التفضلية بلا اختصاص لها بنوع دون نوع من الجماد والنبات والحيوان والإنسان وسائر المخلوقات فلأجل إهمال المتعلق استفيد العموم والشمول لجميع الأنواع الممكنة من حضيض الجمادات الى أوج المجردات. نعم من أهم مصاديق الرحمانية تنظيم عالم التكوين بأحسن نظام ومن أجلى مصاديق الرحيمية تنظيم التشريع بأكمل نظام وأثر التشريع إنما يظهر بالنسبة إلى المؤمنين العاملين به اختص الرحيمية بالآخرة من هذه الجهة ، فهو تعالى رحيم في الدنيا بالتشريع وفي الآخرة بالجزاء عليه.
والذي ينبغي أن يقال : إنه لا ريب أن جميع ما سواه تعالى مورد افاضة الوجود منه تبارك وتعالى وهذا هو الرحمة الرحمانية التي خرج بها ما سواه من العدم إلى الوجود ؛ كما لا ريب في أن كل نوع من أنواع الموجودات مطلقا بل كل صنف من أصنافها له خصوصية لا توجد تلك الخصوصية في غيرها وهي غير محدودة بحد وتنكشف في طي العصور ومر القرون وتلك الخصوصيات غير المتناهية المجعولة منه تبارك وتعالى مورد الرحمة الرحيمية ، فكما أن في الإنسان نوعا خاصا منه وهو المؤمن مورد رحمته الرحيمية كذلك يكون في الملك والفلك والجماد والنبات والحيوان أيضا أصناف خاصة تكون تلك الأصناف مورد رحمته الرحيمية بعد عدم برهان صحيح على اختصاص رحمته الرحيمية بخصوص دار الآخرة كما عرفت.
وقد ذكرا في مفتتح القرآن العظيم للإعلام بأن القرآن من أبرز مظاهر رحمتيه تعالى أما الرحمانية فلفرض وحيه وإنزاله ، وأما الرحيمية فلأنه تبارك وتعالى تجلى لعباده فأظهر فيه المعارف الربوبية وخلاصة الكتب السماوية وزبدة حقائق التكوين والتشريع وربط به قلوب أوليائه.
ثم إنه يظهر من ذكر الرحمن بعد اسم الجلالة في البسملة وفي قوله تعالى : (قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ) [سورة الاسراء ، الآية : ١١٠].