ثم إنّه شرع في بيان جملة من عهوده المباركة على بني إسرائيل وهي الإيمان بالله تعالى والقرآن المشتمل على تصديق سائر الكتب السماوية ، وعدم الكفر ، والمحافظة على آيات الله تعالى وعدم تبديلها ، وتقوى الله ، وعدم كتمان الحق ، وعدم خلطه بالباطل. وهذه هي من أهم العهود الإلهية وأصولها على عباده ، ولا اختصاص لها بطائفة دون أخرى ، وإن كانت تختص ببعض الأحكام الفرعية.
والعهود الإلهية وإن كانت تعد من الأمور التشريعية لكن كل تشريع له دخل في نظام التكوين ، لأن جميع جهات التشريع ترجع إلى تربية الإنسان الذي هو المقصد الأقصى من نظام التكوين فيرجع التشريع اليه.
قوله تعالى : (وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ).
تفصيل بعد إجمال ، فإن قوله تعالى : (أَوْفُوا بِعَهْدِي) يشمل الإيمان بالنبي (صلىاللهعليهوآله) إلّا أنه تعالى ذكره بالخصوص تنبيها لهم وتعظيما لأمره ، وهذه الآية المباركة تدل بالدلالة الالتزامية العادية على إخبار موسى (عليهالسلام) بشريعة خاتم الأنبياء (صلىاللهعليهوآله) ، لأن كل شريعة سابقة لا بد أن تخبر بالشريعة اللاحقة كما أخبر تعالى عن الشرائع السابقة في القرآن ، وقوله تعالى : (مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ) يدل على تصديق هذه الشريعة لما تقدم من الشرائع ، وقد ذكرنا في ما سبق أن الشرائع الإلهية وإن تعددت بحسب الظاهر إلّا أنها متحدة في أصول العقائد والأحكام التي ترجع إلى تربية الإنسان وسعادته في الدارين.
قوله تعالى : (وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ). لأنكم أعرف بحقيقة هذا الدين بعد أن كان الإيمان بالنبي (صلىاللهعليهوآله) مذكورا في التوراة ـ كما سيأتي ـ وأن هذا القرآن مصدق لما معكم فمن بادر منكم إلى الكفر يكون أشد خزيا ومنقصة ، ويكون من أئمة الكفر في ملته ، كما أنّ من بادر من أهل الكتاب الى الإيمان بالله والرسول يكون أول مؤمن به.
قوله تعالى : (وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً). المراد بالاشتراء هنا مطلق المبادلة ، والثمن القليل هو الدنيا وما فيها ، لأنها تنفذ وآيات الله تعالى