قوله تعالى : (وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ). أي اذكر لبني إسرائيل ما فاله موسى لهم. والظلم الحاصل من عبادة العجل عظيم بتمام معنى العظمة ، لأنه شرك وقد وقع بعد الآيات الكثيرة الواقعة من الله تعالى ، فكأنهم سقطوا من السماء إلى الأرض بظلمهم هذا ، ومن درجات المقربين إلى أسفل السافلين. ولذلك كان ظلما عظيما على أنفسهم بعد تمامية الحجة عليهم حيث صاروا كفارا جاحدين ، وحكمهم شديد في شريعة التوراة والقرآن ، فقول موسى (عليهالسلام) : «إنكم ظلمتم» إخبار لهم عن كفرهم وجحودهم وهم اعترفوا بذلك ولم يحك القرآن الاعتراض منهم على موسى (عليهالسلام) في ذلك ، مع بنائهم على الاعتراض واللجاج.
والقوم اسم جمع لا واحد له من لفظه وواحده [امرؤ] والمعروف بين أهل اللغة اختصاصه بالرجال ، دون النساء ، قال تعالى : (لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ) [سورة الحجرات ، الآية : ١١] ، وقال زهير :
وما أدري وسوف إخال أدري |
|
أقوم آل حصن أم نساء |
وقد يراد من القوم النساء أيضا ، لقرينة تدل عليه قال تعالى : (لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ) [سورة الأعراف ، الآية : ٥٩] ، وقال تعالى : (وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ) [سورة الأنعام ، الآية : ٨٣] ومعلوم أن الرسالة تعم الرجال والنساء.
وهو في المقام منادى مضاف حذف منه الياء وأصله يا قومي. وخطاب موسى لقومه إنما كان بأمر منه تعالى ، وإنما فعل ذلك إجلالا لشأن موسى (عليهالسلام) ، وأن خطابه كخطاب الله تعالى معهم ، ولا بد وان يكون كذلك ، لأن كلام النبي (عليهالسلام) في جهات التشريع وتربية أمته نفس كلام المنبأ عنه وإلّا لغي التشريع المبني على النبوءة الإلهية ، فقد ورد في حق نبينا الأعظم (صلىاللهعليهوآله) : (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى) [سورة النجم ، الآية : ٤] وهذا الحكم يجري فى جميع أنبياء الله