قوله تعالى : (كَذلِكَ يُحْيِ اللهُ الْمَوْتى). أي : كما أنه أحيى المقتول بعد موته كذلك يحيي كل ميت. وهذا من تنظير الكلي المعقول على الجزئي المحسوس ، وإثبات للمدعى الكلي بإحساس بعض جزئياته ، إذ الكليات إنما تستكشف عند عامة النّاس من الجزئيات ، ولذا اشتهر «من فقد حسا فقد علما».
قوله تعالى : (وَيُرِيكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ). أي : أنه فعل ذلك من الاحياء بعد الإماتة ، وما ترتب على ذلك من فصل الخصومة وإظهار القاتل لعلكم تفقهون وتدركون أنّ الله تعالى قادر على إحياء مطلق الأموات حيوانا كان أو نباتا كما قال تعالى : (اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) [سورة الحديد ، الآية : ١٧] فتدبروا في آيات الله تعالى فاعتبروا بها وامنعوا أنفسكم من العصيان ، واتباع الأهواء والشهوات.
قوله تعالى : (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) القسوة الصلابة والشدة والرداءة والغلظة ، ولم تستعمل في القرآن الكريم غالبا إلّا مضافة إلى القلب ، فيكون المعنى الغلظة والصلابة عما من شأنه أن يكون رقيقا ، قال تعالى : (فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللهِ) [سورة الزمر ، الآية : ٢٢].
وقسوة القلب من أشد الأمراض النفسية الروحية بل أصلها وأمها ، فعن نبينا الأعظم (صلىاللهعليهوآله): «لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله ، فإن كثرة الكلام لغير ذكر الله تقسي القلب ، وإنّ أبعد الناس من الله القلب القاسي» ، والقلب المتصف بالقساوة كمرآة عليها حجاب غليظ لا يرى فيها صورة أصلا ، وسيأتي تفصيل المقال فيه إن شاء الله تعالى.
وقوله تعالى : (مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) أي : من بعد أن رأيتم الآيات والمعجزات ودلائل التوحيد والرسالة وعرفتم الحق.
قوله تعالى : (فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً). كلمة «أو أشد» يصح أن تكون بمعنى التنويع أي : أن بعض القلوب كالحجارة وبعضها الآخر أشد منها ، أو باعتبار الحالات ففي بعض الحالات يكون القلب كالحجارة ، وفي بعضها الأخرى يكون أشد فحينئذ يصح الكلام بالنسبة إلى المتكلم والسامع.