والمؤمنون شديدي الحرص على إيمانهم لأسباب عديدة منها انهم من أهل الكتاب وهم على معرفة برسول الله (صلىاللهعليهوآله) ودينه لما ذكر في كتابهم.
قوله تعالى : (وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ). الفريق اسم جمع لا واحد له ، والمراد به من له القدرة على التحريف سواء كان من الأحبار والعلماء أو من تبعهم في ذلك وإن لم يكن منهم موضوعا ، وإن كان ظاهر الآية يختص بالطائفة الأولى.
والمراد بسماع كلام الله تعالى ما أدركوه بقوة السمع سواء كان عند خطاب الله لموسى (عليهالسلام) أو منه إليهم أو من أنبيائهم وكلامه تعالى سواء كان من التوراة أو ما ورد في أوصاف خاتم النبيين (صلىاللهعليهوآله). والتحريف التبديل والتغيير حسب مشتهيات النفس ، سواء كان في اللفظ أو في المعنى أو في المحل ـ بأن ينقل اللفظ من موضعه إلى موضع آخر ـ والكل حرام عقلا وشرعا إلّا إذا ورد إذن من قبل الشارع كما في تغيير القراءة فيه وهو لا يعد من التحريف الاصطلاحي ، ويأتي تفصيل ذلك كله إن شاء الله تعالى.
قوله تعالى : (مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ). أي : من بعد ما عرفوه وفهموه وتمت الحجة عليهم وهذا معنى قوله تعالى في الآية المباركة : (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ) [سورة المائدة ، الآية : ٤١] أو عن (مَواضِعِهِ) [سورة المائدة ، الآية : ١٣] وهم يعلمون بأنّهم يحرّفون ويكذبون على الله تعالى. وذلك نص على تعمدهم وسوء قصدهم. وفي هذين القيدين من التشنيع لفعلهم ما لا يخفى.
وحكم الآية المباركة عام يجري في كل من يحرّف كلام الله حسب مقاصده وإن لم يكن من اليهود فيشمل أهل البدع والآراء والمقاييس ولو كانوا من المسلمين.
ومعنى الآية المباركة أنه كيف تطمعون في إيمانهم وقد كان لهم سلف يفعلون السوء وقد جبلوا على العناد والإصرار على الضلال وكان من أفعالهم