[سورة المعارج ، الآية : ٢١].
وربما تعترض غالب النفوس شبهة دوران مدة العقاب مدار مدة العصيان فإذا كانت مدة العصيان محدودة فلا بد وأن تكون الأولى أيضا محدودة فلا وجه للزيادة فضلا عن الخلود والأبدية ، وقد ذكرت هذه الشبهة في علم الفلسفة والكلام والحديث ، ودفع عنه بأجوبة متعددة سيأتي التعرض لها في الموضع المناسب إن شاء الله تعالى.
قوله تعالى : (قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ عَهْدَهُ). تقدم معنى العهد وهو حفظ الشيء وإحكامه ومراعاته حالا بعد حال ، والعهد إما بين الله تعالى وبين خلقه وهو كثير ومنه قوله تعالى : (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ) [سورة يس ، الآية : ٦٠]. وكل ما بيّنه رسوله الباطني ـ وهو العقل ـ من حسن الإحسان وقبح الظلم ، وجميع ما بيّنه أنبياؤه ورسله الظاهرية بواسطة الوحي السماوي يكون من عهود الله تبارك وتعالى على عباده. وإما ما بين العباد بعضهم مع بعض ، وهي المعاملات التي يقوم بها النظام وجميع هذه الأقسام واجب الوفاء بها عقلا وشرعا.
ومعنى الوجوب على الله تعالى حسن فعله وقبح نقضه ، وكلما كان كذلك فهو واجب عليه قال تعالى : (وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ) [سورة التوبة ، الآية : ١١١] ، وقال تعالى : (فَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ عَهْدَهُ).
قوله تعالى : (قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللهِ). مركب من مقدمتين واضحتين يعترف الخصم بإحديهما وتثبت في حقه الأخرى لا محالة أي : إن كان لكم في دعواكم عهد من الله تعالى فلن يخلف الله عهده وهم يعترفون بعدمه فينسبون إليه ما لم يقله.
قوله تعالى : (أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ). أي : تقولون ما لا دليل لكم عليه ، وهذه نتيجة واضحة لعدم إثبات عهد الله إليهم ، فنفى الله تعالى عنهم العلم والمعلوم تنبيها على كمال غباوتهم ولا تختص هذه الآية بقوم دون آخرين بل تجري في كل من تمنى على الله أمرا غير مشروع وافترى عليه في ذلك.