قوله تعالى : (بَلى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً). بلى : كلمة تستعمل غالبا مع النفي فتزيله ويثبت نقيضه قال تعالى : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى) [سورة الأعراف ، الآية : ١٧٢] فأثبتوا الربوبية فكانوا مسلمين ـ بخلاف نعم فإنه تقرير غالبا ـ وعليه لو قالوا : نعم لكانوا كافرين ، وإذا قيل : ما عندي شيء فقال المخاطب بلى فهو رد لكلامه ، وإذا قال : نعم فهو تقرير هذا مع عدم القرينة في البين وإلّا فتتبع هي لا محالة.
فكلمة «بلى» في المقام رد لما زعموه أي : ليس الأمر كما ذكرتم بل تمسكم النار كما تمس غيركم وتخلدون فيها.
ومادة «كسب» استعملت في القرآن الكريم بهيئات مختلفة فأضيفت تارة إلى القلب فقال تعالى : (يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ) [سورة البقرة ، الآية : ٢٢٥] ، والى الأيدي أخرى فقال جل شأنه : (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) [سورة الشورى ، الآية : ٣٠] ، وإلى النفس ثالثة قال تعالى : (كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ) [سورة المدثر ، الآية : ٣٨] والمرجع في الجميع واحد لعدم الفرق بين النسبة إلى الذات أو الى اليد. وأصل المادة تستعمل في طلب النفع ، سواء كان واقعيا أم وهميا أم خياليا ، ويعتبر الاستمرار فيه في الجملة ، فلا يقال لمن اشترى شيئا لطلب النفع مرة : إنه كاسب إلّا بالعناية. وهذا من إحدى عناياته تبارك وتعالى في ما استعملت فيه هذه الكلمة في القرآن الكريم فلم يرتب الحكم على صرف الوجود غالبا إلّا في الشرك.
والسيئة الفعل القبيح وهي ضد الحسنة وتشمل جميع القبائح من الصغائر والكبائر والشرك ، فإن أريد بها في المقام الشرك ـ كما عن جمع من المفسرين ـ يكون قوله تعالى : (وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ) بيانا للشرك الذي يكون خطيئة محيطة بالإنسان. وإن كان المراد بها مطلق السيئة فيكون المراد بالإحاطة اشتدادها حتّى يصير صاحبها من أهل الخلود في النّار.
قوله تعالى : (وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ). الإحاطة : الغلبة والاستيلاء. والخطيئة الحالة الخاصة الحاصلة