قوله تعالى : (قالُوا سَمِعْنا وَعَصَيْنا). التفات من الحاضر إلى الغيبة وهذا كقوله تعالى : (وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ) [سورة البقرة ، الآية : ٧٥] إلّا أن المقام يدل على سرعة النقض. أي : أنهم قبلوا الميثاق ولكنهم خالفوه ولم يعملوا به ، والظاهر أن ذلك كناية عن بيان حالهم وسرعة عصيانهم. وقيل : إنه من ظاهر مقالهم. وعلى أي تقدير ففيه توبيخ ، ورد لمزاعمهم حيث قالوا (نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا) [سورة البقرة ، الآية : ٩١] ، وهذا أيضا من فضائحهم ، إذ كيف يقبلون أمرا يعلمون أن فيه سعادتهم ، ثم يبادرون إلى إنكاره وعصيانه.
قوله تعالى : (وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ). الإشراب المخالطة والامتزاج ، وهو كناية عن انهماكهم في حب العجل حتّى كأنه خالط قلوبهم كما يخالط الصبغ الثوب ، أو كما يدخل المشروب في بدن الإنسان أي أنهم بسبب كفرهم قد انهمكوا في حب العجل ، وذلك لأن كثرة ملازمة الشيء ومحبته توجب صيرورة القلب والإرادة مظهرا من مظاهره ، وقد اشتهر : «أنّ حب الشيء يعمي ويصم» ، وفي الحديث : «يحشر النّاس على نياتهم يوم القيامة» وفيه أيضا : «من أحب شيئا حشره الله معه» وإشراب القلوب لما هو المحبوب وجداني لكل ذي قلب خولط قلبه بغير ذكر الله تعالى.
ويرجع حب بني إسرائيل للعجل إلى ما كانوا عليه من الوثنية في مصر ، فانه كان لهذا الحيوان منزلة عظيمة عند المصريين ، وسيأتي في سورة الأعراف تفصيل القصّة.
قوله تعالى : (قُلْ بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ). توبيخ وتقريع عظيم لهم أي بئس الإيمان إيمانكم الذي يأمركم بعبادة الأوثان ، ونقض العهود ، وقتل الأنبياء ، فأعمالكم التي هي أثر الإيمان تدل على نفي الإيمان الذي أمركم الله تعالى فإنّه يأمركم بتوحيده تعالى ونبذ الأوثان ، وطاعة الأنبياء ، واحترام العهود. وقوله تعالى : (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) للتنزيل والمجاراة مع المخاطبين ، وإلّا فلا إيمان لهم حقيقة وهذا الحكم لا يختص باليهود ، بل يشمل كل أمة أمرهم الله تعالى بالإيمان والعمل الصالح فخالفوا الله تعالى