قوله تعالى : (وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا). أي إنّهم أحرص النّاس على الحياة حتّى من المشركين الذين ينكرون المعاد والحياة بعد الموت سواء كانوا من مشركي العرب أو غيرهم.
وإنما خصهم بالذكر لأنّهم لا يعرفون غير الحياة الدنيا ، ولا علم لهم بالبعث والحساب كما حكى الله تعالى عن قولهم : (إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ) [سورة المؤمنون ، الآية : ٣٧].
فما عن بعض المفسرين من أن المراد بها المشركون الذين جرت عادتهم على الدعاء للعاطس بقولهم : «عش الف سنة» إنما يكون من باب التطبيق لا التخصيص.
قوله تعالى : (يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ). مادة (ود د) تستعمل بمعنى المحبة ، وتطلق على الله تعالى حينئذ قال عزوجل : (وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ) [سورة البروج ، الآية : ١٤] ، وتستعمل بمعنى التمني وهو كثير في القرآن الكريم ومنه المقام.
ومادة (ع م ر) ـ بسكون الميم أو ضمها. أو فتح العين وسكون الميم ، وإن كان هذا الأخير يختص بالقسم قال تعالى : (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ) [سورة الحجر ، الآية : ٧٢]. مأخوذة من العمارة أي عمارة البدن في الحياة الدنيا ، أو عمارة الدنيا للكون فيها ، أو عمارة الآخرة للارتحال إليها ، أو عمارة الجميع وهي أفضلها. أي : يتمنى كل واحد منهم أن يعمّر في الحياة الدنيا ألف سنة أو أكثر ، لأنه يعلم أن البقاء في الدنيا مع الآلام والمشاق خير له من الآخرة فإن فيها العذاب. ولكنه لا يعقل أن هذه المدة القليلة المحدودة لا تنفعه ولا تدفع عنه العذاب ، إذ لا بد من الإيمان والعمل الصالح.
وإنما عبّر تعالى بألف سنة إما لأجل أنه مثال لكثرة العمر كما أن لفظ سبعين كان مثالا للكثرة في العشرات مثل قوله تعالى : (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ) [سورة التوبة ، الآية : ٨٠] ، أو لأجل أنه نوع تقبيح لهم في مبالغاتهم ومقترحاتهم