حول ولا قوة إلّا به ، فهذه الجملة المباركة جامعة لأنحاء التوحيد ، ولكن ذلك لا ينافي قانون الأسباب والمسببات فان الله تعالى أبى ان يجري الأمور إلّا بأسبابها ومن ذلك يعلم وجه انتساب المعجزة ، وخوارق العادات ، والكرامات والسحر والطلسمات إليه تعالى. وقد فرق الفلاسفة والمتكلمون بين المعجزة والسحر بعد اتحادهما في أنهما صادران من عالم آخر غير عالم المادة : وأنّ هدفهما هو الإنسان لا غير بوجوه عديدة :
الأول : بحسب المنشأ ، فإن المعجزة قوة إلهية تبعث في النفس ذلك التأثير بعد صفائها وارتباطها مع الله تعالى ، والاستفاضة من القدرة الإلهية. والسحر ينبعث عن نفس خبيثة مرتبطة مع الشياطين كما تقدم.
الثاني : الفرق بحسب الذات ، فإن المعجزة من طرق الهداية والصّلاح والخير ولا تصدر إلّا من النفوس الخيّرة ، بخلاف السحر فإنه من طرق الضلال والغواية والشر ، ولا يصدر إلّا من النفوس الشريرة.
الثالث : الفرق بحسب الغاية ، فإن الغاية من المعجزة هي الدعوة إلى الحق وتثبيت دعوى الأنبياء ، ولذا تكون مقرونة غالبا مع التحدي فلا تصدر من الكاذب. وأما السحر فإن الغاية منه الشر والإضرار.
الرابع : إن الشخص الذي تجري على يديه المعجزة ذو نفس كاملة قد اجتهد صاحبها في القيام بمراد المحبوب اعتقادا وعملا عن علم بأصول الشريعة وفروعها يدعو إلى الحق ، وهو يعمل بما يدعو إليه ، فإن لمثل هذه النفوس إرادة قوية ولها خلاقية في الجملة لانبعاث إرادتهم عن إرادة العليم الحكيم ، إما مباشرة كالأنبياء والأوصياء ، أو بواسطتهم كعباد الله الصالحين. وهذا بخلاف السحر ونحوه فإن صاحبه لا يكون كذلك ، بل له نفس شريرة كدرة لا يصدر منها الخير ، مرتبطة مع الشياطين ومن يحذو حذوها.
الخامس : المعجزة ليست مكتسبة ولم تكن لها قواعد مطردة ، بل هي تصدر حسب إرادة الله تعالى ، فإما أن تكون خارقة للعادة واقعا وظاهرا ، أو بحسب الظاهر وإن كانت في الواقع مطابقة لقانون السببية