أقول : لا يتصور محل أرقى من كنوز العرش الذي نزلت منه هذه السورة المباركة وسيأتي إن شاء الله تعالى بيان العرش وما يتعلق به في الآيات المناسبة له. وعن النبي (صلىاللهعليهوآله): «إن فاتحة الكتاب أشرف ما في كنوز العرش» ، وعن علي (عليهالسلام): «نزلت فاتحة الكتاب بمكة من كنز تحت العرش».
وعن النبي (صلىاللهعليهوآله): «انه قال لجابر : ألا أعلّمك أفضل سورة أنزلها الله تعالى في كتابه؟ قال : بلى علمنيها فعلمه الحمد لله أم الكتاب ثم قال هي شفاء من كل داء».
أقول : الأم هي الأصل في كل شيء بحيث يتفرع منها الأشياء ، فأم الكتاب أي : أصل الكتاب.
كما أن أم القرى أصلها أيضا بحيث تفرعت عنها سائر القرى ، كما ورد في النصوص ، وسيأتي بيانها عند قوله تعالى : (لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها) [سورة الشورى ، الآية : ٧] ، تكون الفاتحة كذلك ، لاشتمالها على كثير من معارف القرآن على نحو الإجمال ، كما سيأتي في البحث الدلالي.
وعن ابن عباس في قوله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي) قال هي : أم القرآن تثنى في كل صلاة.
أقول : سميت الفاتحة أما لأصالتها وتفرع سائر القرآن منها ، كما تقدم.
وأما تسميتها بالسبع المثاني فلما ورد عن الفريقين أنّه (صلىاللهعليهوآله) قال : «أعطيت الطول مكان التوراة ، وأعطيت المئين مكان الإنجيل ، وأعطيت المثاني مكان الزبور ، وفضلت بالمفصل سبع وستين سورة».
أقول : المراد من الطول من سورة البقرة إلى سورة التوبة ، والمئين هي السور التي تتضمن أكثر من مأة آية. والمثاني ـ التي هي جمع مثنى ـ مثل المعاني جمع معنى ـ أي : ما كرر فيه شيء ، وهي السور التي تقصر عن المئين ، أي : ما كانت على نحو مأة آية أو أقل ، وأما المفصل فهي السور التي