المقطعة في أوائل السور القرآنية من المتشابهات ولا ريب في أنّ العلم بها مختص بالله تبارك وتعالى أو بمن علّمه عزوجل لأنّ هذه الكلمات المقطعة قد أعيت العلماء على جهدهم عن الوصول الى آثارها فضلا عن العلم بكيفية تركيبها والاطلاع على حقائقها وأسرارها.
والظاهر أنّ ذكر الحروف المقطعة في القرآن العظيم يشير إلى أهمية الحروف الهجائية وكثرة عناية الله عزوجل بها لأنّها محور الشرايع السماوية والكتب الإلهية بل بها تقوم الحياة الاجتماعية في الإنسان ، ولأجل ذلك جعل تعالى البيان [أي النطق بها] في قبال خلق الإنسان فقال تبارك وتعالى : (خَلَقَ الْإِنْسانَ عَلَّمَهُ الْبَيانَ) [سورة الرحمن ، الآية : ٤]. وعلى هذا يمكن أن يكون «ذلك الكتاب» مبتدءا مؤخرا و «الم» خبرا مقدما.
يعني : أنّ ذلك الكتاب العظيم هو هذه الحروف الهجائية التي تنطقون بها ولكنه بحسب النظم والجمال والكمال والمعارف شيء خارج عن مقدوركم ، ويكون من عالم الغيب وقد ظهر إلى عالم الشهادة مقرونا بالتحدي والتعجيز وإتماما للحجة ، فكما أتم الله الحجّة عليهم بمن هو من أنفسهم أتمّ الحجّة عليهم أيضا بما هو من ألفاظهم.
ثم إنّ الحروف المقطعة في أوائل السور أسماء باتفاق أئمة أهل اللغة وليست بحروف وهي تقرأ مقطعة بذكر أسمائها لا مسمياتها فيقال : ألف ـ لام ـ ميم ـ ساكنة الأواخر والسور التي فيها هذه الكلمات المقطعة تسع وعشرون سورة وأصل الحروف الهجائية أيضا كذلك بناء على عد الهمزة حرفا مستقلا.
وأما بناء على عدها مع الألف واحدة فثمان وعشرون ، وجميع الأحرف المقطعة بعد حذف المكررات نصف الحروف الهجائية ، وإنّما ذكر تبارك وتعالى نصفها استغناء بذلك عن الجميع وهذا من جهات البلاغة أيضا.
ولا ريب في أنّ هذه الحروف ليست من المهملات بل هي مستعملة في معان اختلف في فهم المراد منها ، وقد تعددت أقوال المفسرين في ذلك ربما تبلغ إلى عشرة أو أكثر :