ثمّ وصف ذاته المقدّسة بقوله : ﴿مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ لتكميل النفوس بعد إيقاظها بالرّجاء بإنعاشها بالخوف بتنبيهها بالسّلطنة المطلقة في يوم الحساب والجزاء ، وأنّه الحاكم فيه ليس لغيره فيه حكم وسلطان كما كان لغيره في الدنيا بظاهر الأنظار.
عن ( تفسير الامام عليهالسلام ) : « يعني القادر على إقامته ، والقاضي فيه بالحقّ والدّين والحساب » (١) .
وقيل : إنّ في هذه الآية إشعار بأنّ الحمد علّة نيل الرّحمة في الدّنيا والآخرة ، ويؤيده ما روي من أنّ آدم لمّا نفخ فيه الرّوح عطس ، فقال : الحمد لله ، واجيب : يرحمك ربّك ، ولذلك خلقتك (٢) .
فدلّت الآيات الثلاث على أنّه سبحانه منبع الخلق ومبدأ الايجاد ، وبفيضه وإرادته تربية الكائنات ، وتكميل الموجودات ، وأنّ رجوع جميع الخلق إلى حكمه وأمره وسلطانه في الآخرة. فإذا تذكّر العبد هذه الصّفات ، وتأمّل في أنّ وجوده وتربيته وبقاءه وتعيّشه في الدّنيا به تعالى ، وارتقاءه من حضيض الحيوانيّة إلى أعلى مدارج القرب وكمال الانسانيّة بلطفه سبحانه ، وتفكّر في أنّ مرجعه ومعاده في الآخرة إلى حكمه تعالى وسلطانه ، علم أنّ من كان إحسانه إليه في زمان بعده عنه واحتباسه في عالم الطبيعة وانغماره في ظلمات الجهل والغفلة بمقدار لا يمكن عدّة ولا يدرك حدّه ، لا يمكن منع فيضه ولطفه وإحسانه وإنعامه حين وروده عليه ووفوده لديه.
فعند ذلك تتكامل معرفته ، وتحيط بالقلب محبّته ، فيرتفع حجاب غفلته ، وتتنوّر عين بصيرته ، وتتجلّى أنوار جمال مليكه في ضميره ، ويرى نفسه شاخصة بحضرته ، فيعترف بالاخلاص في عبوديّته ، ويقول : ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ ولك خاصة نخضع وننقاد ونتذلّل.
عن ( تفسير الإمام عليهالسلام ) : « قال الله تعالى : قولوا يا أيّها الخلق المنعم عليهم : إيّاك نعبد أيّها المنعم علينا ، نطيعك مخلصين موحّدين ، مع التذلّل والخضوع ، بلا رياء ولا سمعة » (٣) .
وعن ابن عبّاس : أنّ جبرئيل قال للنبيّ صلىاللهعليهوآله : قل يا محمّد : ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ أي إيّاك نامل ونرجو لا غيرك (٤) .
وفي رواية عاميّة عن الصادق عليهالسلام : « يعني لا نريد منك غيرك ، ولا نعبدك بالعوض والبدل كما
__________________
(١) التفسير المنسوب إلى الامام العسكري عليهالسلام : ٣٨ / ١٤ ، تفسير الصافي ١ : ٧١.
(٢) تفسير روح البيان ١ : ١٤ « نحوه » .
(٣) التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليهالسلام : ٣٩ / ١٥ ، تفسير الصافي ١ : ٧١.
(٤) تفسير روح البيان ١ : ١٧.