يعبدك الجاهلون بك المغيّبيون عنك » (١) .
أقول : الظاهر أنّ المراد من قوله : « لا نريد منك غيرك » ، أنّه لا نريد بعبادتك نيل مطلوب من نعم الدنيا أو ثواب الآخرة ، ولا دفع مكروه صوريّ أو معنوي ، دنيويّ أو اخرويّ ، بل نريد بها أداء حقك حيث إنّك مستحقّ لها بوجوب الذّات وكمال الصّفات والنّعم السابغات ، وهذه هي العبادة الحقيقيّة ، وغيرها من سائر الغايات المنظورة هي عبادة غيره ، والتعبير بصيغة مع الغير لإدراج عبادته في عبادة الحفظة أو حاضري صلاة الجماعة أو سائر العبّاد الموحّدين المخلصين ، استحقارا لعبادة نفسه وإشعارا بأنّ عبادته غير قابلة بأن تذكر أو ينظر إليها إلّا بتبع عبادة المخلصين.
ثمّ لمّا كان العبد مخلوقا من الضّعف ، فلا قوّة له على العمل إلّا بحوله تعالى ، ولا حول له إلّا بعونه ، ولا يرجى منه خير إلّا بتسديده وتوفيقه ، وكان في إسناد العبادة إلى نفسه إيهام العجب بقدرته واستقلاله في فعله وعمله ، أمر بأن يسأل الإعانة من الله عليها ، بقوله : ﴿وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ على طاعتك وعبادتك والعمل بمرضاتك ، وعلى دفع شرور أعدائك وردّ مكائدهم ، وتخصيص الاستعانة به نتيجة التوحيد ومعرفة ربوبيّته تعالى ومربوبيّة نفسه ، حيث إنّ فيه إشارة إلى أنّه القادر المطلق ، وأنّ قدرة غيره منتهية إليه ، وأنّه الكافي لجميع ما سواه ، ولا كافي غيره ، وفي إدخال استعانته في ضمن استعانة الموحّدين استيجاب ببركتهم.
ثمّ لمّا كان أهمّ المقاصد وأعظمها هو الهداية إلى عبادات موصلة إلى رضوانه ، محصّلة للسّعادات الأبديّة من قربه وجنانه ، خصّ طلب الإعانة بها ، فكأنّه قال تعالى : كيف اعينك فيقول : ﴿اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ ودلّنا على النّهج الحقّ القويم.
في ذكر معنى الصراط والجمع بين الأخبار
عن ( تفسير الإمام ) : عن الصادق صلوات الله عليه : « يعني أرشدنا للزوم الطّريق المؤدّي إلى محبّتك ، والمبلغ إلى جنّتك ، والمانع من أن نتّبع أهواءنا فنعطب ، أو أن نأخذ بآرائنا فنهلك » (٢) .
وعن ( المعاني ) عنه عليهالسلام : « هي الطّريق إلى معرفة الله ، وهما صرطان : صراط في الدنيا ، وصراط في الآخرة ، فأمّا الصّراط في الدنيا فهو الإمام المفترض الطّاعة ، من عرفه في الدنيا واقتدى بهداه مرّ على
__________________
(١) تفسير الصافي ١ : ٧٢.
(٢) التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليهالسلام : ٤٤ / ٢٠ ، تفسير الصافي ١ : ٧٢.