الحاصل من محرّكه.
وبالجملة لا شبهة أنّه يكفي في كون الفعل اختياريا تحقّق إرادة واحدة متعلّقة به ، معلولة لداع موجود بالأسباب الاتّفاقية ، ولا يحتاج إلى إرادات طوليّة.
وممّا يوضح ما ذكرنا أنّ أفعال الله عزوجل اختيارية بالضّرورة من العقل ، وليس إلّا لكونها صادرة عن إرادته التي هي عين علمه بالصّلاح التّامّ ، وهذا العلم هو عين ذاته ، ليس موجودا بعلم آخر متعلّق بصلاح ذلك العلم.
فتحصّل ممّا ذكرنا أنّه لا يخرج الفعل إذا كان الدّاعي إليه باقتضاء الذّات ، أو بايجاد الغير ، أو بإفاضة الله ، عن كونه اختياريا ، ولا يكون فاعله بالإرادة مجبورا ، لبداهة التضادّ بين كون الفاعل مريدا وكونه مجبورا ، إذ من الواضح قبح السّؤال عمّن أخبر أنّه فعل فعلا بإرادته : أكنت مجبورا أم مختارا فيه ؟ ولوضوح أنّه ليس الفارق بين حركة المختار والمرتعش إلّا أنّ المرتعش لا تكون حركته بالإرادة ، بخلاف المختار فإنّها بالإرادة والدّاعي.
في أنّ ختم القلب وصدور الكفر والمعاصي بخذلان الله وإرادته التكوينية لا ينافي صحة العقوبة عقلا عليها
وليس تعريف الفعل الاختياري وحقيقته عند الوجدان إلّا أنّه لو شاء فعل ، ولو لم يشأ لم يفعل ، وليس في تعريفه وحقيقته أنّه لو شاء شاء ، ولا شبهة أنّه إذا كان شخص بهذه الصفة صحّ تكليفه وعقوبته.
ثمّ لا مجال للإشكال على صحّة العقوبة بأنّه مع حصول الختم في القلب واستناد الكفر والعصيان إلى الإرادة المستندة إلى الدّاعي غير الاختياري يكون العقاب عليهما عقابا على ما لا بالاختيار ، وهو ظلم وقبيح.
إذ بعد ثبوت كون الكفر والعصيان بالإرادة ، وتأثير قدرة الكافر والعاصي في كفره وعصيانه ، يحكم العقل بحسن العقوبة والذّمّ عليهما ، إذ لا مدخل لغير الالتفات إلى عنوان الفعل ووجه كونه قبيحا وصدوره عن الإرادة في استحقاق العقوبة وحسنها ، وقد تحقّق أنّ العقل هو الحاكم بالاستقلال في الحسن والقبح في المقام.
وبعبارة اخرى أنّ حسن العقوبة والمثوبة ليس إلّا ملاءمتها لمذاق العقل ، والعقل يجد الملائمة بين العقوبة وصدور القبيح إذا كان منتهيا إلى مبدأ الإرادة ولو لم تكن الإرادة بالإرادة ، ولا اعتراض عليه ، ولا يسئل عمّا يحكم وهم يسألون ، والظلم هو العقوبة التي لا يحكم العقل بحسنها ، ولا يجد لها