امتناع صدور القبيح منه سبحانه ؟
قلنا : هو كذلك إذا لم يكن في صدور الفعل القبيح من الغير أو في إيجاد مقتضيات صدوره جهة حسن وصلاح بالنسبة إلى السبب ، غالبة على جهة القبح والمفسدة في الفعل. وأمّا إذا كان في الفعل أو وجود الدّاعي إليه في نفس الغير جهة حسن وصلاح غالبة بالنسبة إلى السبب المحرّك ، فليس قبيحا ، بل هو في غاية الحسن بالنسبة إليه ، وإن كان في نهاية القبح بالنسبة إلى المباشر ، إذ من الواضح أنّه يختلف الفعل الواحد صلاحا وفسادا باختلاف الأشخاص ، وحسنا وقبحا باختلاف الجهات.
وحينئذ نقول : مضافا إلى أنّ إفاضة الوجود الذي هو بالبديهة من العقل والعقلاء خير محض على الممكنات القابلة والذوات المستعدّة [ و] جود وإحسان وتعلية من حضيض النّقص إلى الكمال ، وهما من الحسن بمكان ، كما أنّ منع الفيض من الله قبيح ومحال.
إنّ لكلّ ماله حظ من الوجود سواء كان من الجواهر والأعراض كالخطرات القلبيّة ، والصّور الخياليّة ، والوجودات العلميّة ، وحركات الجوارح وغيرها ، حتّى حركة الطّرف ، ومشي النّملة ، وحركة ورق الشجر ، وانتقال الرّمل والحجر ، وغير ذلك ، صلاحا في نظام العالم ، لأنّ جميع العوالم كالشّخص الواحد ، وأجزاؤها كأعضائه ، يتوقف صلاحها بصلاح جميع أجزائها ، وصلاح كلّ جزء يتوقّف على صلاح بقيّة أجزائها ، فجميع أجزاء العالم مرتبطات بعضها ببعض ، والإرادة التكوينيّة علمه تعالى بحسن الإيجاد وصلاح الموجودات ، وبهذه الإرادة توجد جميع الموجودات من المؤثر والأثر ، والصادر والمصدر ، والفاعل والفعل ، والدواعي ومقتضياتها ، وتتّسق امور الموجودات ويتمّ نظامها.
في بيان حقيقة الارادة التكوينية والتشريعية والفرق بينهما وعدم تنافيهما فإذا كانت الأفعال الإراديّة من الماهيّات القابلة لفيض الوجود ، ممّا يتوقّف به حسن النظام ، متعلّق بإيجادها ، والإرادة التكوينيّة بتوسّط عللها الطوليّة من الإرادة ومباديها ، مثلا إذا أراد الله أن يصل مقدار من المال من زيد بإرادته إلى عمرو ، يذكّر زيدا سوء حال عمرو وفقره ، ويحدث الدّاعي إلى الإعطاء في قلب زيد ، ويسهّل عليه إعطاءه ، فيقوم زيد بالإرادة ، ويذهب بالمال إلى باب عمرو فيعطيه ، فيكون هذا الإعطاء من الله تعالى بالتّسبيب ، ومن زيد بقدرته وإرادته ومباشرته. وكذا إذا أراد الله أن يأكل أحد طعاما ، يوجد فيه الاشتهاء ، ويخلق الطّعام ، ويمكّنه من أكله ، ويرفع الموانع عنه ، ويسلّطه عليه فيأكله المشتهي بإرادته