وقدرته وميله وشهوته ، بلا قسر ولا قهر ولا جبر ، مع أنّه قد يكون أكل ذلك الطعام قبيحا بالنسبة إلى الآكل لكونه غصبا ، وإيجاده بالمقدّمات الإرادية حسنا من الله تعالى لكونه مرتبطا بالنظام الأتمّ.
ثمّ اعلم أنّ من العناوين القابلة للوجود المرتبطة بالنظام ، عنوان الطاعة والعبوديّة ، وعنوان الطّغيان والمعصية ، حيث كان الغرض من إيجاد الموجودات معرفته تعالى بأسمائه الحسنى ، وصفاته الجماليّة والجلاليّة ، فلو لم توجد الطّاعة والعبوديّة ، لم تظهر صفة لطفه ورحمته ورأفته ، ولو لم يوجد عنوان الطغيان والكفر ، لم تظهر صفة قهّاريته ، ولو لم يوجد عنوان المعصية لم تظهر صفة عفوه وغفوريّته ، فعلى هذا تتعلّق الإرادة التكوينيّة بإيجادها بتوسّط إيجاد أسبابها ومقدّماتها.
ومن الواضح أنّ من جملة مقدّماتها جعل الأحكام التّكليفيّة والوضعيّة ، وإرسال الرسل وإنزال الكتب ، والوعد بالثواب ، والوعيد بالعقاب ، فتنشأ الأحكام طبقا للإرادات التشريعيّة التي هي عين العلم بحسن بعض الأفعال وصلاحه بالنسبة إلى المكلّف ، وقبح بعضها وفساده ، بالإضافة إليه على اختلاف مراتبهما من الحسن والقبح الملزمين وغير الملزمين ، وعلى اختلاف درجات الصلاح والفساد من المهمّ وغيره ، فبالإنشاء البعثيّ والزّجريّ الناشئ من تلك الإرادة التشريعيّة يحدث الوجوب والاستحباب ، والحرمة والكراهة.
فظهر من ذلك الفرق بين الإرادة التكوينيّة والتّشريعيّة ، وأنّ الاولى : هي العلم بحسن الإيجاد ، وارتباط الموجود بصلاح النّظام الأتمّ. وأنّ الثانية : هي العلم بحسن صدور الفعل من فاعله وقبحه ، وصلاحه أو فساده بالنسبة إليه ، وأنّه لا تنافي بين قبح صدوره من مباشره وحسن التسبّب إليه من سببه ، وإنّه لا تنافي بين كونه اختياريّا بالنسبة إلى المباشرة واستحقاقه الثواب أو العقاب عليه ، وبين انتهاء وجوده بعلله الطوليّة إلى إرادة الله ، وإنّه لا تنافي بين كون إيجاده وصدوره متعلّقا بالإرادة التشريعيّة ، وتركه متعلّقا للإرادة التكوينيّة ، لما ذكرنا من أنّ الإرادة التشريعيّة في طول الإرادة التكوينيّة ، ومن مبادئ إنفاذها ، حيث إنّه لو لم تكن الإرادة التشريعيّة ، لم توجد الطّاعة والمعصية اللّتان تكونان متعلّقتين للإرادة التكوينيّة.
في وجه الحاجة إلى ارسال الرسل وإنزال الكتب وأنّ الأحكام التكليفية ألطاف من الله تعالى
واتّضح أيضا وجه الحاجة إلى إرسال الرّسل وإنزال الكتب وإظهار المعجزات وفوائدها.
ثمّ لمّا كانت الأحكام التكليفيّة مقربات إلى المحسّنات العقليّة ، ومبعّدات عن