بالماء. فهذه الحنيفيّة الطاهرة التي جاء بها إبراهيم عليهالسلام فلم تنسخ ولا تنسخ إلى يوم القيامة » (١) .
في أن الإمامة لا بد أن تكون بنصّه تعالى وليس للخلق فيها نصيب
ثمّ لا يذهب عليك أنّ هذه الآية أقوى الأدلّة على أن الإمامة وهي الولاية العامّة والمطاعيّة المطلقة لا بدّ أن تكون بجعل الله ونصبه ، ليس للنّاس نصيب للتّصريح فيها ، على أنّها عهد الله ، فلا يعقل أن يكون جاعله غيره ، ولدلالتها على أنّها مرتبة شامخة فلا يّليق أن يكون جاعلها غير الله ، مع أنّه لو أمكن جعلها من قبل النّاس لما سأل ابراهيم عليهالسلام ربّه أن يجعلها لذرّيته ، لإمكان أن يوصي لامّته أن يجعلوها فيهم.
في الاستدلال على وجوب عصمة الأئمة عن النعصية والخطأ والسهو والنسيان ، وكونه عالما بالأحكام ومصالح النّاس
ثمّ اعلم أنّ في الآية دلالة واضحة على لزوم كون الإمام معصوما من المعاصي والزّلل لوجهين:
الأول : أنّ معنى لفظ الإمام هو من يجب الائتمام به في جميع أقواله وأفعاله ، وأتّباعه في جميع أوامره وحركاته وسكناته ، ومن البديهيّ أنّ من يمكن صدور المعصية منه لا يمكن وجوب اتّباعه على الإطلاق ، للزوم إمكان اجتماع الأمر والنّهي ، وهو بديهيّ البطلان كوقوعه.
والثاني : قوله : ﴿لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾ حيث إنّ الظّالم صادق على من تلبّس بمعصيته ولو كانت صغيرة ، فصدق عنوان الظّالم والعاصي على أحد في زمان ملازم لحرمانه عن نيل هذا المقام الشامخ أبدا.
ثمّ اعلم أنّها كما تدلّ على لزوم كونه معصوما عن المعاصي ، تدلّ على لزوم كونه معصوما عن الخطأ والسّهو والنّسيان لعدم إمكان وجوب اتّباع من أمكن في حقّه ذلك على الإطلاق لما ذكر.
ثمّ لا بدّ أن يكون الإمام عالما بجميع الأحكام حتّى لا يأمر بخلاف ما أمر الله ولا يحكم بغير حكمه ، بل لا بدّ أن يكون عالما بجميع مصالح الخلق ومفاسدهم ، حتّى لا يأمر أحدا بما فيه فساده ، ولا ينهاه عمّا فيه صلاحه ، وأن يكون أعلم النّاس ، وإلّا لا يكون إماما لجميعهم ، بل يكون مأموما لمن يكون هو أعلم منه.
إذا تمهّد ذلك فاعلم أنّه لم تكن هذه الصّفات بعد النبي صلىاللهعليهوآله إلّا في عليّ عليهالسلام وأحد عشر من ولده ، ولم يدّعها أحد لغيرهم ، بل ثبت بالضّرورة واتّفاق الأمّة أنّ غيرهم كانوا فاقدين لها ، فوجب أن تكون
__________________
(١) تفسير القمي ١ : ٥٩.