من الجنّة إلى البيت درّة بيضاء ، فرفعه الله إلى السّماء ، وبقي اسّه. فهو بحيال هذا البيت ، يدخله كلّ يوم سبعون ألف ملك ، لا يرجعون إليه أبدا ، فأمر الله إبراهيم وإسماعيل عليهماالسلام ببنيان البيت على القواعد » (١) .
في أنّ إبراهيم وإسماعيل عليهماالسلام كانا شريكين في رفع القواعد ، وأن إسماعيل أول من نطق بالعربية
واعلم أنّ ظاهر الآية المباركة والروايات شركة إبراهيم وإسماعيل عليهالسلام في رفع القواعد وبناء البيت.
وفي عدّة روايات اخر : أنّ إبراهيم كان متفرّدا في بناء البيت ، وإسماعيل كان يناوله الأحجار (٢) ، كما عن ( المجمع ) عن الباقر عليهالسلام : « أنّ إسماعيل أوّل من شقّ لسانه بالعربيّة ، وكان أبوه يقول وهما يبنيان : هاي ابني (٣) ، أي أعطني حجرا ، فيقول له إسماعيل بالعربيّة : يا أبه ، هاك حجرا ، فابراهيم يبني وإسماعيل يناوله » (٤) .
ولعلّ وجه الجمع أنّ إبراهيم عليهالسلام كان شغله منحصرا برفع البناء ، وإسماعيل يشاركه في الرّفع ويناوله الحجر أيضا ، والملائكة كانوا يعاونونهما بإعطاء الحجر.
وهما في هذا الحال يدعوان ويقولان : ﴿رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا﴾ عمل بناء بيتك ﴿إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ﴾ لدعائنا ومسألتنا ﴿الْعَلِيمُ﴾ بنياتنا والمشقّة التي نتحمّلهما خالصا لك ، وتقربا إليك.
وفي تخصيص الوصفين به تعالى إشعار بالتّوحيد الصّفاتي ، كأنّهما قالا : إنّ سمع كلّ سميع وعلم كلّ عليم منك وراجع إليك ، وصفات غيرك مندكّة في صفاتك.
وأمّا الدّعوة الثانية ، فقولهما : ﴿رَبَّنا وَاجْعَلْنا﴾ بتوفيقك وتأييدك ﴿مُسْلِمَيْنِ﴾ منقادين ﴿لَكَ﴾ مسلّمين لأوامرك وحكمك ، راضين بقضائك وقدرك ، خالصين لوجهك ، لا نعبد سواك ولا نتوجّه إلى غيرك ﴿وَ﴾ اجعل بعضا ﴿مِنْ ذُرِّيَّتِنا﴾ ونسلنا ﴿أُمَّةً﴾ وجماعة ﴿مُسْلِمَةً لَكَ﴾
وإنّما خصّا الدعاء ببعض ذرّيتهم لعلمهم من قوله : ﴿لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾(٥) بأنّه لا بدّ أن يكون بعضهم ظالما ، ولم يعلما أنّ فيهم أهل التّسليم والتّفويض ، ولذا سألا أن يجعل الله بعضهم مسلما مخلصا منقادا كي يكون صالحا للإمامة.
__________________
(١) تفسير العياشي ١ : ١٥٦ / ٢٠٣ ، علل الشرائع : ٣٩٨ / ١.
(٢) تفسير الرازي ٤ : ٤٨.
(٣) في مجمع البيان : يا إسماعيل هات ابن.
(٤) مجمع البيان ١ : ٣٨٩.
(٥) البقرة : ٢ / ١٢٤.