الصّوت ، متوافقين في المزاج وخصوصيّات الأخلاق بحيث لا يتمايز أحدهما عن الآخر ، مع أنّ غالب الحيوانات البريّة أو البحريّة لا يكون بين أكثر أفراد نوع واحد منها تميّز ظاهر ، وليس هذا الاختلاف في أفراد الإنسان إلّا للتّعارف ، ولولاه لاختلّت معائشهم ونظام امورهم. واستقصاء الكلام في عجائب خلقة الإنسان بل كلّ من أنواع الحيوانات لا مطمع فيه لأحد ، حيث إنّه بحر لا ساحل له (١) .
في حكمة تمويج الرياح
﴿وَ﴾ في ﴿تَصْرِيفِ الرِّياحِ﴾ وتحريكها وتمويجها ، فإنّ فيه حكمة بالغة والنظام الأتمّ ، حيث إنّ فيه كمال النّفع للنّباتات والحيوانات ، إذ لكلّ منها تنفّس بها ، فلو لم يتغير الهواء بهبوب الرّياح لفسد ، وبفساده هلكت الحيوانات والنباتات.
قال بعض : لو لم تكن الرّياح والذباب لأنتنت الدنيا (٢) .
في وجه تسمية الهواء المتموّج بالريح وبالمبشّر وبيان أقسام الرياح
قيل : سمّيت الرّيح ريحا لأنّ في هبوبها الرّوح والرّاحة ، وفي انقطاعها الكرب والغمّ (٣) .
وإنّما سمّى الله تعالى الرّياح مبشّرات ؛ لأنّ فيها مع عظم منافعها تحريك السحاب الممطر الذي به حياة الأرض ، وبحياتها حياة جميع الحيوانات ، فإنّ بالعشب تعيش الدّوابّ ، وبالثّمار يتقوّت الإنسان.
ثمّ اعلم أنّ للرّياح أقساما أربعة :
أحدها : الصّبا ، ويقال لها : القبول لاستقبالها الدّبور ، وهي شرقية.
وثانيها : الدّبور ، وهي غربيّة.
وثالثها : الشّمال وهي شمالية.
ورابعها : الجنوب وهي جنوبيّة.
وكلّ ريح هبّت من بين المهبّين من المهابّ الأربعة تسمّى نكباء ، ولكلّ واحدة منها منافع لا تحصى.
روي عن النبيّ صلىاللهعليهوآله أنّه إذا هبّت ريح ، قال : « اللهمّ اجعلها رياحا ، ولا تجعلها ريحا »(٤).
ولعلّ فيه إشارة إلى أنّ هبوب الرّياح من جميع الجوانب إحاطة الرّحمة بالخلق ، وأنّ لكلّ ريح
__________________
(١) تفسير الرازي ٤ : ٢٠٠.
(٢) تفسير روح البيان ١ : ٢٦٨.
(٣) تفسير الرازي ٤ : ٢٠١.
(٤) تفسير الرازي ٤ : ٢٠٢.