وقوله : ﴿إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا﴾(١) وإنّما هي ( نحيا ونموت ) لأنّ الدّهريّة لم يقرّوا بالبعث بعد الموت ، وإنّما قالوا : نحيا ونموت ، فقدّموا حرفا على حرف ، ومثله كثير.
قال : وأمّا الآيات التي هي في سورة وتمامها في سورة أخرى ؛ فقول موسى عليهالسلام : ﴿أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ﴾(٢) و﴿قالُوا يا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنَّا داخِلُونَ﴾(٣) فنصف الآية في سورة البقرة ، ونصفها في سورة المائدة.
وقوله : ﴿اكْتَتَبَها فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً﴾(٤) فردّ الله عليهم ﴿وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ﴾(٥) فنصف الآية في سورة الفرقان ، ونصفها في سورة العنكبوت ، ومثله كثير (٦) ، انتهى كلامه رفع مقامه.
أقول : إلى هذه الأخبار الضعاف أشار الشيخ قدسسره بقوله : أنّه وردت أخبار كثيرة من جهة الخاصّة والعامّة بنقصان كثير من آي القرآن ونقل شيء منه من موضع إلى موضع ، طريقها الآحاد التي لا توجب علما ، فالأولى الإعراض عنها وترك التشاغل بها ، لأنّه يمكن تأويلها.
إلى أن قال : ورواياتنا متناصرة بالحثّ على قراءته والتمسّك بما فيه ، وردّ ما يرد من اختلاف الأخبار في الفروع إليه ، وعرضها عليه ، فما وافقه عمل عليه ، وما خالفه يجتنب ، ولم يلتفت إليه (٧) .
أقول : أخبار العرض على الكتاب متضافرة ، بل متواترة معنى أو إجمالا ، وأخبار وقوع التحريف والتغيير مخالفة للكتاب العزيز ، فيشملها قولهم عليهمالسلام : « ما خالف كتاب الله فهو زخرف » أو « باطل » أو « فاضربه على الجدار » أو « لم نقله » (٨) .
فإنّ قوله تعالى : ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ﴾(٩) دالّ على تشريف القرآن وتفضيله على سائر الكتب السماويّة بضمانه تعالى بحفظه من الاندراس والانطماس ، وتعهّده على صيانته من التحريف والتغيير إلى يوم القيامة ، فكما أنّ ذهاب جميع القرآن ومحوه من بين الناس وجعل كتاب آخر فيهم ينافي ضمانه تعالى لحفظه ، كذلك إسقاط آية أو سورة ، أو تغيير كلمة منه أو هيئته المنزلة
__________________
(١) المؤمنون : ٢٣ / ٣٧.
(٢) البقرة : ٢ / ٦١.
(٣) المائدة : ٥ / ٢٢.
(٤) الفرقان : ٢٥ / ٥.
(٥) العنكبوت : ٢٩ / ٤٨.
(٦) تفسير القمي ١ : ١٠.
(٧) تفسير التبيان ١ : ٣.
(٨) الكافي ١ : ٥٥ / باب الأخذ بالسنة وشواهد الكتاب.
(٩) الحجر : ١٥ / ٩.