المجلس الحادي والستّون
وُلد العبّاس بن أمير المؤمنين (ع) سنة ست وعشرين من الهجرة ، وعاش مع أبيه أمير المؤمنين (ع) أربع عشرة سنة ، وحضر بعض الحروب فلمْ يأذن له أبوه في النّزال. قُتل مع أخيه الحسين (ع) بكربلاء وعمره أربع وثلاثون سنة ، وكان يكنّى أبا الفضل ، ويُلقَّب بالسّقاء وقمر بني هاشم ، وقُتل معه بكربلاء ثلاثة إخوة لاُمّه وأبيه ، وكانت له يوم كربلاء مقامات مشهودة ومواقف عظيمة. كانت له صفات عالية وأعمال جليلة امتاز بها ؛ منها أنّه كان صاحب لواء الحسين (ع) ، واللواء هو العلم الأكبر ولا يحمله إلاّ الشجاع الشريف في العسكر ، ومنها أنّه كان أيّداً (أي قويّاً) شجاعاً فارساً وسيماً جسيماً ، يركب الفرس المطهَّم ورجلاه تخطّان في الأرض ، ومنها أنّه لمّا جمع الحسين (ع) أهل بيته وأصحابه ليلة العاشر من المحرّم وخطبهم فقال في خطبته : «أمّا بعد ، فإنّي لا أعلم أصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي ، ولا أهل بيت أبرّ ولا أوصل من أهل بيتي ، وهذا الليل قد غشيكم فاتّخذوه جملاً ، وليأخذ كلّ واحد منكم بيد رجل من أهل بيتي ، وتفرّقوا في سواد هذا الليل وذروني وهؤلاء القوم ؛ فإنّهم لا يريدون غيري» ، قام إليه العبّاس (ع) فقال : ولِمَ نفعل ذلك؟! لنبقى بعدك! لا أرانا الله ذلك أبداً. ثمّ تكلّم أهل بيته وأصحابه بمثل هذا ونحوه. ومنها أنّه لمّا أخذ عبد الله بن حرام ، ابن خال العبّاس ، أماناً من ابن زياد للعبّاس وإخوته من اُمّه ، قالوا : لا حاجة لنا في الأمان ؛ أمان الله خير من أمان ابن سميّة ، ومنها أنّه نادى شمر : أين بنو اُختنا؟ أين العبّاس وإخوته؟ فلم يُجبه أحد ، فقال لهم الحسين (ع) : «أجيبوه وإنْ كان فاسقاً ؛ فإنّه بعض أخوالكم». قال له العبّاس : ما تريد؟ فقال : أنتم يا بني اُختي آمنون. فقال له العبّاس : لعنك الله ولعن أمانك ، أتؤمننا وابن رسول الله لا أمان له؟! وتكلّم إخوته بنحو كلامه ثمّ رجعوا. ومنها أنّه لمّا اشتدّ العطش بالحسين (ع) وأصحابه ، أمر أخاه العبّاس فسار في عشرين راجلاً يحملون القِرب وثلاثين فارساً ، فجاؤوا ليلاً حتّى دنوا من الماء ، وأمامهم نافع بن هلال الجملي يحمل