المجلس الثاني والستّون
قال أمير المؤمنين (ع) لأخيه عقيل ـ وكان نسّابة عالماً بأخبار العرب وأنسابهم ـ : «ابغني امرأة قد ولدَتها الشّجعان من العرب ؛ لأتزوّجها فتلد لي غلاماً فارساً». فقال له : أين أنت عن فاطمة بنت حزام الكلابية ـ وهي المكنّاة اُمّ البنين ـ فإنّه ليس في العرب أشجع من آبائها ولا أفرس. فتزوّجها أمير المؤمنين (ع) ، فولدت له العبّاس ثمّ عبد الله ثمّ جعفر ثمّ عثمان. وحضر هؤلاء الإخوة الأربعة مع أخيهم الحسين (ع) يوم كربلاء وأبلَوا في نصرته بلاءً حسناً ، وجاهدوا أمامه حتّى قُتلوا جميعهم ، وكان أحسنهم بلاءً وأعظمهم جهاداً ومواساة لأخيه الحسين (ع) أبو الفضل العبّاس ، وهو أكبرهم وكان عمره يومئذ أربعاً وثلاثين سنة. ولمّا رأى العبّاس (ع) كثرة القتلى من أهله ، قال لإخوته الثلاثة هؤلاء : يا بني اُمّي ، تقدّموا لأحتسبكم عند الله. وفي رواية : حتّى أراكم قد نصحتم لله ورسوله. فتقدّم عبد الله بن علي ، وعمره خمس وعشرون سنة فقاتل قتالاً شديداً حتّى قُتل ، فتقدّم بعده أخوه جعفر بن علي ، وعمره تسع عشرة سنة فقاتل حتّى قُتل ، فبرز بعده أخوهما عثمان بن علي ، وعمره إحدى وعشرون سنة فقام مقام إخوته وقاتل حتّى قُتل ، وبرز من بعدهم أخوهم أبو الفضل العبّاس وقاتل قتالاً شديداً ، واشتدّ العطش بالحسين (ع) ، فركب المسنّاة يريد الفرات وبين يديه أخوه العبّاس ، فأحاط القوم بالعبّاس فاقتطعوه ، فجعل العبّاس (ع) يُقاتلهم وحده ، فضربه زيد بن ورقاء الحنفي على يمينه فقطعها ، فأخذ السّيف بشماله وهو يرتجز ويقول :
واللهِ إنْ قَطعْتمُوا يَمينِي |
|
إنّي اُحامي أبداً عنْ دِيني |
وعنْ إمامٍ صادقِ اليقينِ |
|
نجلِ النَّبيِّ الطّاهرِ الأمينِ |
فضربه حكيم بن الطفيل على شماله فقطعها ، فقال :
يا نفسُ لا تَخشَي منَ الكفّارِ |
|
وأبشِري برحمةِ الجبّارِ |