المجلس السّابع والخمسون
لمّا كان يوم عاشوراء ، برز مسلم بن عوسجة الأسدي ، وهو صحابي رأى النّبي (ص) ، وكان شريفاً سريّاً عابداً متنسّكاً فارساً شجاعاً ، وكان ممَّن كاتب الحسين (ع) من الكوفة ووفّى له وأخذ البيعة له عند مجيء مسلم بن عقيل إلى الكوفة. ولمّا خَرَج مسلم لحرب ابن زياد ، عقد له على ربع مذحج وأسد ، فلمّا قُتل مسلم وهاني اختفى مدّة ثمّ أتى سرّاً إلى الحسين (ع) مع حبيب بن مظاهر ، فكانا يسيران الليل ويكمنان النّهار حتّى وصلا إليه بكربلاء واستشهدا بين يدَيه. ولمّا خطب الحسين (ع) أصحابه ليلة العاشر من المحرّم وقال لهم : «قد أذنتُ لكم فانطلقوا جميعاً في حلّ ليس عليكم منّي ذمام ، وهذا الليل قد غَشيكم فاتّخذوه جملاً ، وليأخذ كلّ واحد منكم بيد رجل من أهل بيتي ، وتفرّقوا في سواد هذا الليل وذروني وهؤلاء القوم ؛ فإنّهم لا يريدون غيري». وتكلّم إخوته وأبناؤه وبنو أخيه وسائر بني هاشم وأصحابه بما شكرهم الله تعالى عليه ورسوله (ص) ، وشكرهم الدّين وأهله وأبقى لهم مجداً وفخراً وثناءً وذكراً لا يبليه مرور الليالي والأيّام ، وكانوا قُدوة الرّجال في الوفاء والإباء وكرم النفوس وعلوّ الهِمم ، كان من جملة مَن تكلّم مسلم بن عوسجة فقال : أنحن نخلّي عنك وقد أحاط بك هذا العدوّ ، ولم نُعذر إلى الله في أداء حقّك! لا والله ، لا يراني الله أبداً وأنا أفعل ذلك حتّى أكسر في صدورهم رمحي ، واُضاربهم بسيفي ما ثبت قائمه بيدي ، ولو لم يكن معي سلاح لقذفتهم بالحجارة ولم اُفارقك أو أموت معك. ولمّا اشتدّ القتال يوم عاشوراء ، لم يزد مسلم بن عوسجة إلاّ جرأة وثباتاً وصبراً ووفاء ، فكان يحمل على القوم وهو يرتجز ويقول :
إنْ تسألُوا عنّي فإنّي ذو لَبدْ |
|
منْ فرعِ قومٍ منْ ذُرَى بنيْ أسَدْ |
فمَنْ بغانَا حائدٌ عنْ الرَّشدْ |
|
وكافرٌ بدينِ جبّارٍ صَمدْ |
فقاتل قتالاً شديداً. ثم حمل عمرو بن الحجّاج في أصحابه على ميسرة الحسين (ع)