أن الترجيح بلا مرجِّح في الأفعال الاختيارية ـ ومنها الأحكام الشرعية ـ لا يكون (١) إلّا قبيحا ، ولا يستحيل وقوعه إلّا على الحكيم تعالى ، وإلّا فهو (٢) بمكان من الإمكان ، لكفاية (٣) إرادة المختار علّة لفعله ، وإنّما الممتنع وجود الممكن بلا علّة ، فلا استحالة (٤) في ترجيحه (٥) لما هو مرجوحٌ مما باختياره.
وبالجملة : الترجيح بلا مرجِّح بمعنى بلا علّة محال (٦) ، وبمعنى بلا داع عقلائيّ (٧) قبيح ليس بمحال ، فلا تشتبه.
______________________________________________________
وما نحن فيه ـ وهو الحكم الشرعي بجواز الأخذ بالمرجوح ـ ليس من هذا المقام ، لعدم كون الأخذ بالمرجوح بلا علّة ، بل يكون مع العلّة وهي إرادة الفاعل المختار ، فهو من قبيل المقام الأوّل أعني كون ترجيح المرجوح على الراجح قبيحا لا ممتنعا ، فالإضراب من القبح إلى الامتناع الذاتي في غير محله ، لاستلزامه للجمع بين الممتنع الذاتي الّذي لا يتصف بالحسن والقبح ـ وهو الترجُّح بلا مرجِّح بمعنى صدور الفعل من غير علّة مرجِّحة له ـ وبين الترجيح بلا مرجح أي بلا داع عقلائي الّذي هو قبيح لا محال كما لا يخفى.
(١) خبر «ان الترجيح» وضمير «منها» راجع إلى «الأفعال».
(٢) هذا الضمير وضمير «وقوعه» راجعان إلى «الترجيح».
(٣) تعليل لإمكان الترجيح بلا مرجح في الأفعال الاختيارية ، وعدم استحالته ذاتا ، وإنّما المستحيل هو وقوعه منه تعالى عرضا ، لمنافاته لحكمته جلّ وعلا ، كما تقدم آنفا.
(٤) هذه نتيجة جوابه عن الدليل المزبور القائم على وجوب تقديم ذي المزية على غيره ، وحاصلها : أنّ ترجيح المرجوح على الراجح ليس محالا ، بل هو قبيح.
(٥) هذا الضمير راجع إلى «المختار» فهو من إضافة المصدر إلى فاعله ، وضمير «هو» راجع إلى «ما» الموصول الّذي يراد به فعل ، والمراد بـ «مما» الأفعال ، يعني : فلا استحالة في ترجيح المختار لفعل مرجوح من الأفعال التي هي باختياره.
(٦) يعني : وهو أجنبي عن الحكم بترجيح المرجوح على الراجح.
(٧) يعني : كما هو المقصود ، إذ ترجيح فاقد المزية على واجدها قبيح وليس بمحال كما