فيها (١) ما لا يحتمل الترجيح به إلّا تعبُّدا ، فافهم (٢).
______________________________________________________
الصدق ، إذ ربما يكون غير الأفقه أصدق منه في كلامه ، لموافقته للمشهور أو لمن هو أفقه من هذا الأفقه من الفقهاء الماضين ، فالترجيح بالأفقهية أيضا تعبد. ووحدة السياق تقتضي كون الترجيح بالأصدقية والأوثقية أيضا تعبديّا ، فلا يصلح أن يكون وجها للتعدي عن المرجحات المنصوصة إلى غيرها مما يوجب الأقربية إلى الواقع.
فإن قلت : هذا الإشكال الثاني غير وارد على كلام الشيخ ، لأنه «قده» قسّم الترجيح بصفات الراوي إلى قسمين ، فمنها ما يكون تعبديا كالأورعية ، ومنها ما يكون مقرِّبا إلى الواقع ، والتعدي عن المرجحات المنصوصة يستند إلى القسم الثاني لا الأوّل ، وعليه فلا وجه للإيراد عليه بأن بعض المرجحات متمحّض في التعبدية.
قلت : الظاهر ورود الإشكال على كلام الشيخ ، فإنّ المرجحات وإن كانت على قسمين ، والتعدي مستند إلى ما يكون مقرِّبا إلى الواقع ، إلّا أنّ المصنف «قده» يدّعي احتفاف مثل «الأصدقية» بالأورعية التي لا يحتمل فيها إلّا التعبد ، وهذا الاحتفاف يوجب إرادة الترجيح التعبدي في الأصدقية والأوثقية أيضا ، ويسقط ظهور الكلام في كون تمام مناط الترجيح بهما الأقربية إلى الواقع. ولا دافع لهذا الاحتمال ، إذ لا بد من استقرار الظهور في كون المناط هو الأقربية حتى يتعدى منهما إلى سائر المرجِّحات.
(١) أي : في المرجحات ، وضمير «به» راجع إلى «ما» الموصول المراد به المرجح. يعني : قد ذكر في المرجحات التي لا يحتمل الترجيح بها إلّا تعبُّدا ، وهذا صالح لأن يكون قرينة على إرادة الترجيح التعبدي في الأصدقية والأوثقية أيضا.
(٢) لعلّه إشارة إلى مخدوشية الرد الثاني المذكور بقوله : «لا سيما ... إلخ» ومحصله : أنّ دعوى كون الترجيح بالأورعية والأعدلية والأفقهية تعبديّا لا تخلو من منع ، لقوّة احتمال كون الترجيح بها بملاك الأقربية إلى الواقع ، ضرورة أن الأورع ـ لبذل غاية جهده في إحراز الواقع ـ يحصل له الوثوق والاطمئنان بصدق ما ينقله ومطابقته للواقع أكثر من الوثوق الحاصل للورع. وكذا الأفقه ، فإنّ أكثريّة تتبعه وممارسته ـ في مقدمات استنباط الحكم واستخراجه من الأدلّة ـ من تتبع الفقيه وممارسته توجب الاطمئنان الكامل بمطابقة رأيه للواقع. وكذا الأعدل ، فإنّ المرتبة العليا من مراتب العدالة توجب الفحص التام الموجب