لا ريب فيها ، مع (١) أنّ الشهرة في الصدر الأوّل بين الرّواة وأصحاب الأئمة
______________________________________________________
ولكن هذا الاشتهار لا يوجب قطعيّة دلالة الخبر وجهته حتى يصير الخبر مما لا ريب فيه بقول مطلق ومن جميع الجهات ، فإنّ القطع بالدلالة والجهة لا يحصل بمجرد شهرة الرواية ، بل لا بد من الشهرة العملية أيضا ، كما تقدم بيانه في الفصل السابق. والمفروض في المقبولة والمرفوعة شهرة الرواية خاصة بلا تكفل لحيثية الدلالة ، ويتجه حينئذ تعارض خبرين مشهورين كما ادعاه عمر بن حنظلة بقوله : «كلاهما مأثوران مشهوران». ومن المعلوم أنه لا منافاة بين القطع بصدور خبرين وبين تنافيهما مدلولا ، لكونهما ظاهرين ، ولم يقطع بصدورهما معا لبيان الحكم الواقعي ، فهما قطعيان سندا وظنيان دلالة وجهة.
والحاصل : أن المراد بالريب المنفي هو ما يتعلق بحيثية الصدور فقط ، ولا مانع من إرادة عدم الريب الحقيقي العرفي في الخبر المشهور بلحاظ القطع بصدوره ، ولا مجال للحمل على نفي الريب الإضافي حتى يتعدى به إلى كل مزية توجب الأقربية.
وثانيا : أن الشهرة في الصدر الأوّل لمّا كانت موجبة للقطع بالصدور كانت مميِّزة للحجة عن غيرها ، لا مرجحة لحجّة على مثلها ، فتخرج الشهرة عن المرجحية وتندرج في مميِّزات الحجة عن اللاحجة. وهذا خلاف المفروض وهو كون الشهرة من مرجحات الخبرين المتعارضين الواجدين لشرائط الحجية لو لا التعارض.
فصار المتحصّل أوّلا : أنّ إرادة الريب الإضافي خلاف الظاهر الّذي لا موجب لارتكابه ، خصوصا مع قرينية الشهرة على إرادة الحقيقي منه.
وثانيا : أن نفي الريب مطلقا يوجب التعدّي عن الشهرة إلى كل ما يوجب العلم أو الاطمئنان بالصدور ، لا الأقربية إلى الواقع كما هو المدّعى.
وثالثا : أنّ عدّ الشهرة بمعناها اللغوي من مرجحات الخبرين المتعارضين مسامحة ، بل لا بدّ أن يُعدّ من مميِّزات الحجة عن اللاحجة.
(١) هذا تمهيد لإثبات إمكان إرادة نفي الريب مطلقا ، لا الريب الإضافي الّذي هو مبنى الاستدلال على التعدي ، وحاصله : أن شرط الاستدلال عليه ـ وهو كون الريب المنفي في الخبر المشهور إضافيا ـ مفقود ، لأنّ الرواية المشهورة في نفسها مما لا ريب فيه مطلقا ـ