إن قلت (١) :
______________________________________________________
(١) هذا إشكال آخر على جواز تقليد المجتهد الانفتاحي ، ومحصله : عدم جواز
__________________
الحجة القاطعة للعذر عليه سواء كانت حجة من قبلهم عليهمالسلام أو من العرف أو من العقلاء (١).
لكن يمكن أن يقال : إنّ إطلاق المعرفة على استفادة الحكم من الخبر والظاهر وإن كان صحيحا ، إلّا أنّه ليس بمناط قطع العذر حتى يتعدّى منهما إلى كل حجة عقلية أو شرعية منجّزة للواقع أو معذّرة عنه ، بل بمناط طريقيتها النوعية والكشف الغالبي عن الواقع ، فإنّ عمدة الدليل على اعتبار ظواهر الألفاظ والخبر هي السيرة الممضاة ، ومن المعلوم أنّ عمل العقلاء بظاهر الكلام إنّما هو لحكايته عن المراد الجدّي عند عدم نصب قرينة على خلافه ، فحيثية الكشف عن الواقع ملحوظة في عملهم بظاهر الكلام قطعا ، ولأجلها يصح الاحتجاج به تنجيزا وتعذيرا ، فصحة الاحتجاج به متفرعة على طريقيته للواقع ، وليست مجرّدة عنها حتى يتعدّى إلى كل حجة قاطعة للعذر.
وكذا الحال في بنائهم على العمل بخبر الثقة ، فإنّه بنظرهم طريق إلى الواقع وكاشف عنه. والأخبار الإرجاعية التي هي إمضاء لهذا البناء العقلائي وافية بهذا المعنى ، ففي سؤال عبد العزيز بن المهتدي عن الرضا عليهالسلام : «أفيونس بن عبد الرحمن ثقة آخذ عنه معالم ديني؟» يكون المقصود منه الوصول إلى نفس الأحكام الواقعية التي يخبر بها يونس عن الإمام المعصوم عليهالسلام ، فإنّ معالم الدين لا تنطبق على إخبار يونس بشيء ليس من الدين بمجرد كونه معذّرا عنه ، للفرق بين السؤال عن معالم الدين وبين ما يكون معذرا عنه.
وعليه فلا سبيل للتعدي عن ظهور «عرف أحكامنا» إلى كل حجة قاطعة للعذر حتى الظن الانسدادي على الحكومة.
نعم لا بد من الأخذ بعموم «أحكامنا» بإرادة الأعم من الحكم الظاهري والواقعي ، فالإفتاء بأحد الخبرين المتعارضين اعتمادا على أدلة التخيير معرفة بالحكم الظاهري ، وكذا في موارد الأصول العملية.
والمتحصل : أنّه كما لا حاجة إلى تكلف إرادة العلم بموارد قيام الحجة على أحكامهم من العلم بها ، كذلك لا موجب لحمل المعرفة على مطلق الحجة القاطعة للعذر حتى إذا كان فاقدا لحيثية الكشف عن الواقع.
__________________
(١) نهاية الدراية ، ٣ ـ ١٩٢