أخذ (١) قول الغير
______________________________________________________
والتقليد في اصطلاح أهل العلم : قبول قول الغير من غير دليل ، سمّي بذلك لأنّ المقلّد يجعل ما يعتقده من قول الغير من حق وباطل قلادة في عنق من قلّده» (١).
وعلى هذا فلفظ التقليد يتعدّى إلى مفعولين أحدهما القلادة أو ما هو بمنزلتها من الأمور الحقيقة أو الاعتبارية ، والآخر ذو القلادة ، ومنه تقليد السيف أي جعل السيف قلادة ، وقوله عليهالسلام في الخطبة الشقشقية : «تقلّدها فلان وهو يعلم أنّ محلّي منها محلّ القطب من الرحى ينحدر عنّي السيل ولا يرقى إليّ الطير» فجاعل السيف في العنق مقلّد ـ بالكسر ـ ومن يعلق السيف في عنقه ـ مقلّد ـ بالفتح ، وما به التقليد هو السيف ، فالمفعول الأوّل هو المقلّد بالفتح ، والمفعول الثاني هو القلادة كالسيف.
هذا بحسب اللغة وقريب منه معناه العرفي ، فمعنى «قلّد زيد عمرا» هو محاكاته في فعله وقوله ، وأن يأتي به بالكيفية الخاصة التي يأتي بها زيد. ويعبّر عن هذا التقليد في الفارسية بـ «ادا در آوردن». وعرف في اصطلاح الفقهاء بأمور سيأتي بيانها.
وعلى كلّ فلما لم يكن في العمل بفتوى المجتهد قلادة خارجية ولا مقلّد بالكسر وبالفتح فلا بد أن يكون استعماله في المقام ونحوه من باب الاستعارة ، والمناسب لهذا المعنى اللغوي هنا أحد أمرين :
الأوّل : جعل فتوى العالم للجاهل بمنزلة القلادة في عنقه ، فالجاهل مقلّد بالكسر وبالفتح باعتبارين ، فمن حيث جعل فتوى العالم في عنق نفسه مقلّد بالكسر ، ومن حيث صيرورة الفتوى قلادة في عنقه مقلّد بالفتح.
الثاني : أن يجعل الجاهل دينه قلادة في عنق العالم في الفرعيات ، ويحمّله مسئولية أعماله عبادة كانت أو معاملة أو غيرهما. فالجاهل مقلّد بالكسر ، لكونه جاعلا للقلادة ـ وهي الدين ـ والمجتهد مقلّد بالفتح ، لصيرورته ذا قلادة بجعل الجاهل.
(١) اعلم : أنّ تعريف التقليد بالأخذ أو بالعمل أو بالقبول أو بغيرها يكون تارة بلحاظ تعيين مدلول هذا اللفظ الوارد في التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليهالسلام «فللعوام أن يقلدوه» (٢) إذ بناء على صدوره لا بد من البحث في مدلوله ، وكذا في خبر أبي
__________________
(١) مجمع البحرين ، ٣ ـ ١٣٢
(٢) الوسائل ، ج ١٨ ، الباب ١٠ من أبواب صفات القاضي ، الحديث : ٢٠ ، ص ٩٤