.................................................................................................
______________________________________________________
أنّه لو سلّمنا دلالة ظاهر الآية على وجوب قبول قول العالم تعبدا ، فمع ذلك لا يمكن الاستدلال بآية السؤال هنا لمانع آخر ، وهو : أنّ المراد بأهل الذّكر ليس مطلق العالم بنحو الكبرى الكلية حتى ينطبق على المجتهد والفقيه ، بل المقصود منه إمّا علماء أهل الكتاب كما هو مقتضى سياق الآية ـ على ما أفيد ـ ومورد السؤال في الآية هو النبوة التي تجب المعرفة بها لا القبول تعبدا ، فلا ربط له بالفروع التي هي مورد البحث. وإمّا الأئمة الأطهار (عليهم الصلاة والسّلام) ، كما ورد في النص المستفيض ، ومن المعلوم أن السؤال منهم رافع لداء الجهل حقيقة. وعلى كلا التقديرين لا دلالة للآية المباركة على التقليد المبحوث عنه في المقام أعني به أخذ فتوى الغير تعبدا في الفروع.
__________________
إن كان موقوفا على إعمال النّظر كانت الآية دليلا على حجية الفتوى. وإن لم يكن كذلك ، بل كان مجرد العلم بالحكم بالسماع من المعصوم عليهالسلام تفقها فلا دلالة لها على حجية الفتوى ، بل على حجية خبر الفقيه ، والإنذار بحكاية ما سمعوه من الإمام عليهالسلام من بيان ترتب العقاب على شيء فعلا أو تركا مما لا ينبغي الريب فيه. بل كان في الصدر الأوّل الإفتاء والقضاء بنقل الخبر» (١).
لكن يمكن أن يقال : انّ التفقه المأمور به ـ بناء على أن يكون المراد به العلم بالأحكام الشرعية كما هو مبنى الاستدلال بهذه الآية على حجية فتاوى الفقهاء ـ معناه تحصيل العلم بالأحكام ، وهذا العلم يحصل للنافرين بسماع معالم الدين من المعصوم عليهالسلام كما أنّه بالنسبة للمختلفين يكون طريق علمهم بالأحكام سماعها من النافرين ، وبالنسبة إلى غيرهم ممن لم يكن في عصر الحضور يكون طريق علمهم بالأحكام الفحص عنها في الكتاب والسنة ، وهذا هو الاجتهاد الّذي لم يكن التفقه في الصدر الأوّل متوقّفا عليه ، بل كان بسماع الحديث ، لكن لا خصوصية في السماع ، بل اللازم التفقه في الدين بمعنى تحصيل العلم بالشريعة ، وهو معنى عام قابل للانطباق على كلّ من سماع الآية والحديث ، ومن العلم به عن الاجتهاد والنّظر في الأدلة.
نعم لا ريب في تفاوت معرفة الأحكام في عصر الحضور مع معرفتها في أمثال زماننا سهولة وصعوبة ، فان التفقه في الصدر الأوّل كان بسماع الحديث من دون توقفه على شيء من العلوم حتى علم اللغة لكونهم من أهل اللسان ، وهذا بخلاف الأعصار المتأخرة ، لتوقف التفقه في الدين على
__________________
(١) نهاية الدراية ، ٣ ـ ٢١٠