فإنّه يقال (١) : لا شبهة في أنّه لا بدّ في جوازه من بقاء الرّأي والاعتقاد ، ولذا لو زال بجنون وتبدّل ونحوهما لما جاز (٢) قطعا (٣) كما أشير إليه آنفا. هذا (٤) بالنسبة إلى التقليد الابتدائي.
وأمّا الاستمراري فربما يقال : بأنّه (٥) قضية استصحاب الأحكام
______________________________________________________
(١) هذا جواب الإشكال ، وحاصله : أنّ قياس التقليد على نقل الرواية مع الفارق ، وتوضيحه : أنّ رواية الأحاديث لا تتوقف إلّا على الحياة آناً ما ، بخلاف جواز التقليد ، لكون الرّأي والاعتقاد جهة تقييدية لجواز رجوع العامي إلى المجتهد ، ومن المعلوم أنّ كل حكم تابع لموضوعه وجودا وعدما ، وإلّا لم يكن موضوعا ، وهذا خلف. ولذا لو زال الرّأي بجنون أو هرم أو مرض ، أو تبدّل بالرأي الآخر لما جاز تقليده قطعا ، لا ابتداء ولا بقاء ، فإنّ بطلان التقليد بالجنون وغيره من العوارض ليس لدليل تعبدي ، بل من جهة اعتبار بقاء الرّأي في جواز التقليد.
ومع هذا الترتب كيف يدّعى كفاية حدوث الرّأي في حال الحياة لجواز التقليد إلى الأبد؟ فإنّه مساوق لبقاء الحكم بدون موضوع ، وهو في الاستحالة كبقاء المعلول بلا علّة.
(٢) هذا الضمير المستتر وضمير «جوازه» راجعان إلى التقليد ، وضمير «زال» راجع إلى الرّأي.
(٣) مع أنّ النّفس الحيوانية باقية ، وإنّما الخلل في الناطقة العاقلة التي هي أوّل ما خلق الله ، فإذا لم يجز التقليد لمجرد زوال الرّأي مع بقاء موضوعه فعدم جوازه بانعدام موضوعه أولى.
(٤) أي : ما ذكرناه إلى هنا كان بالنسبة إلى التقليد الابتدائي للميّت ، وقد عرفت عدم الدليل عليه لا من الاستصحاب ولا من باب قياسه بالرواية.
(٥) أي : بأنّ عدم اشتراط الحياة في التقليد الاستمراري هو مقتضى استصحاب الأحكام التي قلّده العامي فيها. وهذا الاستصحاب هو انسحاب الحكم المستفتى فيه إلى ما بعد موته. أمّا استصحاب حكم المستفتي ـ أعني به أنه كان للعامي أن يقلّد هذا الميت ، وكذا استصحاب حكم المفتي أعني به أنّ المجتهد كان ممن يجوز الاعتماد على قوله ـ