للإمام تأخير إقام الحدود لبعض الموانع ، كمصافة العدو ، وخوف حدوث الفتق الذي لا يمكن تلافيه وشبه ذلك فإن له تأخير الحدود وشبهها في هذه الحال ، ولا يجوز للإمام وإن خشي الضرر الحكم بغير الحق ، وإنما له تأخير إنفاذ الحكم لا غير.
وسأل أيده الله عن معنى قول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : «من ولي أمر غيره من المسلمين جاء يوم القيامة ويده مغلولة إلى عنقه حتى يكون عدله الذي يفكه وجوره الذي يوبقه» وفي بعض الأخبار : «جاء يوم القيامة ويده مغلولة إلى عنقه حتى يتوسط على الصراط فإن كان عادلا فكه عدله وإن كان جائرا زلت قدمه فهوى في جهنم سبعين خريفا» كيف يكون عادلا ، ثم يغل في تلك الحال مع قول الله تعالى : (لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ) [الأنبياء : ١٠٣].
الكلام في ذلك : أن معنى الخبرين وما شاكلهما معنى التمثيل ، وذكر الغل كذلك إذ القيامة صرف الله عنا وعن الصالحين أهوالها لا ينتهى إليه إلا بعد كشف الغطاء في السعادة والشقاوة فنسأل الله التوفيق ؛ ولأن الغل نهاية الإهانة والاستخفاف ولا يجوز إنزاله بمن يستحق التعظيم ؛ فلما كان الأمير مطلق اليد في الدنيا على من هو أمير عليه إما بالقدرة أو بالحكم من الله سبحانه قوبل بالغل في الآخرة تمثيلا ؛ فإن كان عادلا وصل القيامة وصار في العرصة كالمغلول يصل الصراط فيكون جوازه عليه كإطلاق المغلول لا غير ، وإن كان جائرا وصل القيامة مغلولا حقيقيا ، ثم تزل قدمه من الصراط إلى النار على تلك الحال ؛ فنعوذ بالله من الشقوة اللازمة ، والحسرة الدائمة ، ونسأله السعادة الكاملة ، والنعمة الشاملة ، والصلاة على النبي وآله وسلم.